ساهر عريبيمقالات
السفير السعودي يستخفّ بالعراق
البحرين اليوم – (خاص)
لم تكد تمضي سوى أيام معدودة على التصريحات التي أطلقها وزير خارجية البحرين خالد أحمد الخليفة حول قوات الحشد الشعبي العراقية، وشنّ السفير السعودي في العراق ثامر السبهان هجوما شرسا على الحشد.
وزير خارجية البحرين دعا إلى حلّ الحشد واتهمه بالإرهاب، وأما السفير السعودي فرأى أن الحشد لا يتمتع بالمقبولية لدى المجتمع العراقي، وأبدى اعتراضه على وضع أسلحة بيد الحشد الشعبي فقط، داعيا الحكومة العراقية وبشكل ضمني إلى السماح بوجود حشد “سنّي”.
تصريحات أقل ما توصف به بأنها تدخل سافر في الشأن العراق الداخلي، وكما عبر عن ذلك وزير النقل العراقي، وتمثل خروجا عن الأطر والأعراف الدبلوماسية المعمول بها بين الدول، وهي تؤكد جملة من الإدعاءات حول حقيقة موقف العربية السعودية من مكافحة الإرهاب، ومن العملية السياسية الجارية في العراق. وهي تعكس كذلك حالة من الإستخفاف بالعراق وحكومته، خاصة وأنها تصدر من ممثلي دول تمارس أبشع انواع الإضطهاد ضد شعوبها، وهي متهمة بتأسيس ورعاية الجماعات الإرهابية والفكر التكفيري في المنطقة والعالم.
إن وزير خارجية البحرين والسفير السعودي هما آخر من يحق لهما الحديث عن حقوق المكونات في العراق، فالسنة – وهم أقلية في البلاد – لهم تمثيلهم في كافة مؤسسات الدولة العراقية، وبالشكل الذي يتناسب مع حجهم السكاني، ولا حظر على انتسابهم إلى المؤسسة العسكرية التي يقف على رأسها وزير سني، ولديهم وزراؤهم ومناصبهم السيادية، وحتى قوات الحشد الشعبي فإنها تضم ممثلين عن مختلف المكونات العراقية من سنية ومسيحية وايزدية وغيرها.
وأما إن كان جميع أعضاء التنظيمات الإرهابية “سنّة”، ومعظم أعضاء الحشد الشعبي الذي يحارب الإرهاب؛ “شيعة”، فهذا ليس ذنب الشيعة، بل على السفير السعودي أن يبحث عن أسباب ذلك، وسيجد جذوره حتما في التعاليم الوهابية التي تشكل امتدادا لفكر ابن تيمية وابن قيم الجوزية.
وأما في البحرين – التي يشكل الشيعة غالبية سكانها – فليس مسموحا للشيعي أن يصبح شرطيا أو ضابطا في قوة دفاع البحرين، والبديل لهم هم مرتزقة مستوردون من باكستان واليمن وسوريا والأردن والعراق. وأما التمثيل الشيعي في الحكومة (الخليفية) فهو بائس، وليس لهم سوى ثلاث وزارات خدمية لموالين لعائلة آل خليفة التي تهيمن على كافة الوزارات السيادية، وأما البرلمان فلا صلاحية تذكر له، والتمثيل فيه ليس بجسب النسبة السكانية كما هو عليه العراق، بل إن السلطات وضعت نظاما للدوائر الإنتخابية لا يسمح للشيعة بالحصول على الأغلبية فيه بالرغم من أنهم غالبية السكان.
ولا يختلف واقع الحال في السعودية عما هو عليه في البحرين المجاورة، حيث يعاني الشيعة من سياسات الإقصاء والتهميش السائدة ومنذ عقود، وما إعدام الشيخ نمر النمر إلا بسبب مطالبته بالعدالة والمساواة لأبناء شعبه.
ومن ناحية أخرى، فإن السعودية واحدة من أسوا دول العالم على صعيد حقوق الإنسان التي تُنتهك بها بشكل جسيم، وفقا لتقارير العديد من المنظمات الحقوقية الدولية كهيومن رايتس ووتش والعفو الدولية.
إن هاتين الدولتين هما آخر من يحق لهما توجيه نصائح وإبداء رأي حول الوضع الداخلي العراقي، وهما يمثلان واحدة من أسوا الأنظمة الدكتاتورية في العالم التي لا تؤمن بالتحول الديمقراطي وتهيمن على مقاليد الحكم في كل منهما عائلة واحدة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن السفير السعودي يعترض على قوات الحشد الشعبي، وهي عراقية تحارب الإرهاب، ولكنه ينسى بأن نظامه قام بإرسال قوات عسكرية لاحتلال البحرين عام 2011 لأجل قمع الإنتفاضة البحرانية التي اندلعت في البلاد ذلك العام للمطالبة بالعدالة والمساواة.
وهنا نتساءل عما إذا كانت السعودية والبحرين تسمحان للسفيرين العراقيين المتواجدين لديهما؛ بالمطالبة بسحب القوات السعودية من البحرين، وبإنهاء سياسات التهميش التي يمارسها البلدان بحق الشيعة فيهما، وبإطلاق سراح أكثر من ثلاثة آلاف ناشط بحراني، ومن بينهم قادة ورموز ثورة 14 فبراير وزعماء الجمعيات السياسية المعارضة، وفي طليعتهم الشيخ علي سلمان. وكذلك المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين في السعودية، والبالغ تعدادهم أكثر من 30 ألف سجين، ووقف أحكام الإعدام بحق الأطفال الذي شاركوا في الإحتجاجات بالسعودية مثل الفتى علي النمر.
لا شك أن رد الفعل السعودي أو (البحريني) على مثل هذه الدعوات هو طرد السفير العراقي.
وأما في العراق، فالسفير العراقي حر في تصريحاته وتدخلاته الفجة في الشأن الداخلي العراقي، لأن حكومتنا الموقّرة حريصة على توثيق العلاقات مع أكبر دولة داعمة للإرهاب في العراق والعالم، ولأن إرسال سفيرها إلى بغداد يعتبر انجازا عظيما للدبلوماسية العراقية التي تعمل بمبدأ مقابلة الإساءة بالإحسان، فوزير الخارجية إبراهيم الجعفري وصل المنامة السبت الماضي للتعبير عن شكره لوزير خارجية البحرين على تصريحاته المسيئة للحشد وللمرجع السيد السيستاني!
وأما السفير السعودي في العراق، فيعلم مدى ضعف الساسة العراقيين وهوانهم، ولولا ذلك لما تجرأ على إطلاق مثل تلك التصريحات التي تعطي درسا للساسة العراقيين في الشجاعة عبر مهاجمة الآخرين في عقر دارهم، وهي تكشف كذلك عن امتلاكه لبصيرة ووضوح في الرؤية، لا يتمتع بها الجعفري الذي قدم تنازلات للسعودية، لكنه لم يحظ بلقاء مع وزير خارجيتها عادل الجبير في القاهرة خلال مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي عُقد الأسبوع الماضي.
هذه التصريحات كشفت عن حقيقة السياسة السعودية في العراق، وعن كذب مزاعمها في محاربة الإرهاب. فالسعودية تعاني اليوم كثيرا في التصدي لإدعاءات دعمها للإرهاب، والتي أضحت اليوم مادة دسمة في الصحافة العالمية. وتأتي تصريحات السفير لتؤكد تلك الإدعاءات. فمن يدعي محاربة الإرهاب لا يمكنه إلا تأييد قوات الحشد الشعبي باعتبارها القوة التي تقاتل الإرهاب في العراق اليوم، ولا توجد قوات برية غيرها على الأرض لا من سعودية ولا من البحرين أو من أي دولة أخرى. فالقوات السعودية مشغولة بدعم نظام آل خليفة في البحرين، أو في مواصلة العدوان على الشعب اليمني.
إلا أن انتصارات قوات الحشد الشعبي يبدو أنها أطارت صواب وزير خارجية البحرين والسفير السعودي، لأنها أضعفت تنظيم داعش الإرهابي، الذراع العسكري للمؤسسة الدينية الوهابية.
هذا التنظيم يتبنى الفكر الوهابي التكفيري الذي تتبناه المؤسسة الدينية السعودية المتحالفة مع عائلة آل سعود. والتنظيم يحظى بتمويل مالي سعودي أكدته العديد من مراكز الأبحاث الدولية، وإن كانت لا تشير إلى دعم رسمي، ولكن إلى دعم أهلي تغض السلطات الطرف عنه.
وأما البحرين، فإن مؤسساتها الأمنية تحولت إلى اكاديميات لتخريج الإرهابيين، ومنهم الإرهابي تركي البنعلي الضابط السابق في الداخلية والذراع الأيمن لزعيم تنظيم داعش حاليا.
إن هذه التصريحات تعكس إصرارا سعوديا على تأجيج نار الفتنة الطائفية التي أشعلتها السعودية والبحرين في المنطقة من أجل منع أي تغيير في البلدين، ولأجل التهرب من الإستحقاقات الجماهيرية للبحرانيين ولأبناء المنطقة الشرقية. فالحراك في البحرين يُتهم بأنه طائفي، علماً بأن سياسات حكومتي البحرين والسعودية طائفية حد النخاع، فيما الحراك فيهما وطني لم يرفع أي شعارات طائفية.
العراق وبالرغم من أن حكومته ليست طائفية؛ فإن السعودية تنظر لها على أنها طائفية، وبأن الجماعات الإرهابية تصنف على أنها ثورة تدافع عن حقوق السنة، وكما حصل طوال السنوات الماضية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين.
إن الحكومة العراقية ردّت على تصريحات السفير، الذي زعم بأنها حوّرت، ولكنها مطالبة برد حازم على السفير السعودي وعلى وزير خارجية البحرين، ونحن نعلم علم اليقين بأن الخارجية العراقية لن تعتبر السفير السعودي شخصا غير مرغوب به، لأنها تخشى ضياع أكبر “إنجاز دبلوماسي في تاريخ العراق”، ولم يكد يمضي على تحقيقه سوى أيام معدودة!! كما وأن الخارجية العراقية لا تمتلك الشجاعة لإرسال اعتراض إلى وزارة خارجية البحرين للتعبير عن الإنزعاج من تصريحات وزيرها، أو على الأقل أن يعاتبه الجعفري عتاب الأصدقاء ويتلو على مسامعه حكمة كونفوشوسية يسمعها بأذنه اليمنى ويخرجها من اليسرى!