الرهان على ولي عهد البحرين
البحرين اليوم – خاص
بقلم: ساهر عريبي
ارتفعت أسهم ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة في بورصة طيف من المعارضة السياسية في البحرين، التي طالما راهنت عليه لحل الأزمة الأخيرة التي تعيشها البلاد منذ اندلاع ثورة 14 فبراير عام 2011، بالتزامن مع انطلاق ثورات مع عرف بالربيع العربي التي اجتاحت عددا من دول المنطقة من بينها تونس مصر وليبيا وسوريا واليمن بالإضافة إلى البحرين.
جاء هذا الارتفاع عقب تكليف حاكم البحرين لنجله سلمان بمهام رئاسة مجلس الوزراء خلفا لخليفة بن سلمان الذي وافته المنية في أحد المستشفيات الأميركية بعد أن جلس على سدة رئاسة الوزراء لمدة نصف قرن ومنذ استقلال البلاد عن المستعمر البريطاني عام 1971. خمسة عقود لم يخل عقد منها من انتفاضة ضد نظام حكم العائلة الخليفية، جرى قمعها بالحديد والنار سواء في زمن الأمير السابق عيسى أو تحت سلطة نجله الملك الحالي حمد.
وما بينهما كان الثابت اللا متغير هو رئيس الوزراء السابق خليفة عم الملك الحالي الذي طالما حملته فصائل المعارضة مسؤولية الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد منذ استقلالها، بالرغم من أنه ليس سوى منفذ لسياسات العائلة الحاكمة بل وأحد أهم واضعيها. أرادت تلك الفصائل عبر اختصار الأزمة في شخص خليفة أن تبقي الباب مفتوحا على مصراعيه مع الحاكم الحالي وولي عهده.
فالملك الذي لبس ثوب الإصلاح عقب توليه الحكم خلفا لوالده عيسى في العام 1999، سرعان مانقلب على الميثاق الوطني في العام 2001 وتبع ذلك تضييق لمساحة العمل السياسي المعارض، حتى وصلت الأزمة إلى ذروتها في فبراير من العام 2011، وطوال ذلك العقد فقدت المعارضة رويدا رويدا ثقتها بالملك، لكنها أبقت حبال الود قائمة مع ولي العهد سلمان الذي تم التسويق له في الدوائر الغربية كليبرالي منفتح ورجل إصلاحات.
وفي خضم الأزمة وقبل يومين من التدخل العسكري السعودي في البحرين في 15 مارس 2011، طرح ولي العهد مبادرة للحوار مع المعارضة قال إنها تنطلق وفقا لمبادئ ومن ضمنها: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، ومحاربة الفساد المالي والإداري معالجة الاحتقان الطائفي.
لم تغر هذه المبادرة فصائل المعارضة بعد ان رفع الشعب سقف مطالبه إلى إسقاط النظام، لكنها رسخت انطباعا لدى طيف عريض في المعارضة السياسية بأن ولي العهد رجل إصلاحات يمثل القشة الأخيرة لتلك المعارضة لإخراج البلاد من أزمتها. لم تتغير قناعة هؤلاء المعارضين بولي العهد برغم صمته عن حملات القتل التي أسفرت عن قتل عشرات المتظاهرين، ولا عن موجات الاعتقالات التي أدت إلى اعتقال آلاف الناشطين والسياسيين ومن بينهم قادة الحراك الذين صدرت أحكام مطولة بالسجن ضدهم.
لم ينبس ولي العهد ببنت شفة بعد حل السلطات لكبرى الجمعيات السياسية التي طالما راهنت عليه وهي جمعية الوفاق والزج بزعيمها الشيخ علي سلمان في السجن. فيما أسقطت جنسية مئات المعارضين وأبرزهم الزعيم الروحي للأغلبية الشيعية في البلاد آية الله الشيخ عيسى قاسم ونفيه من البلاد. عشر سنوات مرت وولي العهد صامت من كل هذه المظالم التي أدانها المجتمع الدولي من منظمات حقوقية فضلا عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة.
ظهر جليا أن نهج القمع وعدم تقديم تنازلات للشعب هو نهج راسخ تسير على هداه العائلة الحاكمة ولا يحيد عنه من أُلبِس ثوب الإصلاح كولي العهد أو من ارتدى ثوب القمع كالراحل خليفة، فكلاهما يمارس دوره تحت رعاية الملك حمد. فولي العهد لا يمكنه القيام بأي إصلاحات دون ضوء أخضر من أبيه وإن غرد خارج السرب فإن البديل جاهز وهو أخيه ناصر.
ولذلك فلقد كانت سيرة ولي العهد طوال هذا العقد هي في تعزيز موقعه السياسي والمالي وعلى حساب عمه الراحل، عبر توليه لمناصب عدة من بينها مجلس التنمية الاقتصادية، وصندوق الثروة السيادية في البحرين ونيابة القائد العام للقوات المسلحة واليوم يجمع معها رئاسة الوزراء. ماكان لسلمان أن يتمتع بكل هذه السلطات لو كان هناك أدنى شك في أن يفكر فقط بتقديم تنازلات شكلية للمعارضة.
إذن لماذا سارع بعض المعارضين إلى إبداء تفاؤل بولي العهد كحمامة سلام قادرة على إخراج البحرين من أزمتها؟ أولا إن هناك معارضين لم تتغير نظرتهم لولي العهد بالرغم من سيرته البعيدة عن الإصلاح طوال سنين هذا العقد، أو بالأحرى لايريدون تغييرها طمعا بالحصول على مكاسب سياسية فيما لو طرح ولي العهد مبادرة شكلية لحل الأزمة.
وهناك معارضون يعتقدون أنهم وصلوا إلى طريق مسدود وقد آن الأوان للحوار مع النظام وبالشروط التي يضعها ولكن عبر نافذة ولي العهد مع علمهم بان سلمان لا يختلف عن أبيه حمد او عن عمه خليفة، ولكنهم يسوقوه كإصلاحي كي يبرروا لأنفسهم الحوار معه.
وهنا يثار تساؤل عما يجبر النظام على الجلوس مع معارضة مشتتة لم تجتمع لحد الآن تحت مظلة جبهة موحدة، ومع إحكام النظام بقبضته القمعية السيطرة على الوضع في البلاد، ومع غياب العمل السياسي المعارض داخل البحرين وتحول المعارضة إلى العمل الإعلامي والحقوقي في الخارج.
لاشك بأن نتائج الانتخابات الأميركية هي أحد أهم العوامل التي انعشت آمال هذا الفريق المعارض المراهن على ولي العهد. فالهزيمة غير المتوقعة للرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبال المرشح الديمقراطي جو بايدن، أثارت قلق النظام الحاكم في البحرين وداعميه السعوديين. فبالرغم من العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية والبحرين، إلا ان الديمقراطيين عرفوا بإثارتهم لقضايا حقوق الإنسان في منطقة الخليج ولو بشكل خجول، إلا أنهم لم يطلقوا يد حكام المنطقة بالقمع كما فعل الرئيس الحالي دونالد ترمب.
يبدو أن حسابات هؤلاء المعارضين قائمة على أن النظام الحاكم في البحرين سيغير من نهجه في التعامل مع المعارضة حال جلوس بايدن في المكتب البيضاوي، ولذا فهم يبادرون اليوم وبالنيابة عن النظام لتسويق ولي العهد كمنقذ للبلاد قبل أن تفرض الإدارة الجديدة على العائلة الحاكمة إجراء إصلاحات سياسية.
لكن سيرة الديمقراطيين في الحكم وخاصة في زمن إدارة أوباما لا توحي بأن البيت الأبيض إن اصطبغ باللون الأزرق سيدفع باتجاه إحداث تغييرات سياسية في البحرين. فكل مافعلته إدارة اوباما هو الضغط على النظام لإطلاق سراح الناشطة زينب الخواجة! أو إطلاق دعوات للحوار أو دعوة المعارضة للمشاركة في الانتخابات على مقاس النظام الحاكم! وكانت تلك الإدارة على علم كامل بالتدخل العسكري السعودي في مارس من العام 2011 الذي أدى إلى موجة قمع لم تشهد لها البحرين نظيرا من قبل، وكانت الإدارة الديمقراطية حينها تقف متفرجة على ما يحصل في البحرين من انتهاكات جسيمة.
لكل ذلك فإن الرهان على ولي العهد كرجل إصلاحات، هو رهان خاسر، لأن أي رهان ينبغي أن يأخذ بالحسبان مصالح الشعب الذي يمر بأزمة اقتصادية خانقة، لن يسهم أي حوار مع المعارضة في حلها، لأن أساس المشكلة الاقتصادية ليست الأزمة السياسية بل الفساد المالي والإداري وغياب الشفافية والمحاسبة وهذا ناتج عن هيمنة العائلة الحاكمة على كافة مفاصل الحكم، وهي اليوم ليست بوارد تقديم تنازلات للشعب، بعد أن عززت علاقتها بـ “إسرائيل“ وحولت البحرين إلى قاعدة عسكرية للقوات الأجنبية.
ولذا فإن كانت هناك تنازلات سيقدمها ولي العهد عبر أي حوار، فلن تكون إلا شكلية خاصة وبعد ان فقدت البلاد قرارها السيادي الذي أصبح رهنا بيد الرياض، تحت سلطة حاكم لم يتخذ قرارا حكيما واحدا منذ توليه ولاية العهد. لكل ذلك فإن أي حوار مع النظام تحت مظلة ولي العهد لن يخدم سوى النظام في المقام الأول وبعض المعارضين الذين يسيل لعابهم لتولي بعض المناصب الهامشية التي سيمن عليهم بها النظام كما فعل سابقا مع معارضين لم يعضوا لاحقا سوى أصابع الندم.