الراقصة والديوان: انتخابات بنهكة “الفودكا”
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: باقر المشهدي
كاتب مختص في شؤون الخليج
قبل أسبوعين حذّر وزير العدل الخليفي في البحرين من التدخل القطري في الانتخابات النيابية المقرّر عقدها نهاية العام الجاري. تصريحات الوزير جاءت غامضة ومشوشة إعلاميا، إذ لم يحدد الوزير نوع التدخل، ومن هم المقصود بهم في التهديد. تاريخيا، ومنذ السماح بعودة العملية الانتخابية في 2002 تظهر مثل تلك التصريحات مع كل عملية انتخابية، حيث يظهر وزير العدل – المصنَّف على جناح الخوالد والديوان الملكي – بتصريحات يهدِّد فيها منْ يعرقل العملية الانتخابية، ويفتعل لنفسه معارك وهمية، ثم تظهر بعدها تشريعات خاصة لتهديد المعارضين أو المقاطعين للانتخابات.
الذي يبدو أنه في هذه المرة سبقت التشريعات التهديدية معركة الوزير الوهمية، حيث أصدر “مجلس النواب” في مايو الماضي تشريعاتٍ قانونية تمنع ترشُّح أعضاء الجمعيات السياسية المنحلة قضائيا من الترشُّح للانتخابات، وصادق الحاكم الخليفي حمد عيسى على هذا التشريع الذي رأي فيه المراقبون أنه تشريع يستهدف محاصرة الجمعيات السياسية المعارضة من جهة، ومحاولة خلق نخبة سياسية جديدة موالية وغير مزعجة من جهة أخرى. قبل صدور هذا التشريع سبق لوزير العدل أن سرّب رسائل شفوية لبعض أعضاء جمعية سياسية معارضة أن الديوان لن يسمح لأي عضو في جمعية سياسية معارضة بالترشح، وأن واجهة البلد “السياسية” سيُعاد ترميمها – وفق تعبيره – بحيث تخلو من أي معارضة سياسية غير مرضي عنها من قبل الديوان الملكي.
لم يمض وقت قصير على استكمال اللوائح القانونية الجديدة المنظمة للانتخابات المقبلة حتى تدافعت شخصيات عدة للإعلان عن ترشحها للانتخابات. شخصيات لم يُعرَف عنها أي نشاط سياسي أو خبرة سياسية، وكل ما يمكن أن يجمع بينها هو رغبة تلك الشخصيات في نيل مكانة سياسية برافعة من الديوان الملكي، حيث سيكون المطلوب منها الموافقة والتبصيم على كل ما يراه الديوان الملكي، أما مسائل التشريع والمراقبة فهم معفيون منها بحكم تجربة المجالس السابقة التي استجابت لتشريعات تقلُّص من صلاحية المجلس التشريعية والسياسية.
في مجريات الحديث عن المجلس النيابي بعد 2011 تأكد الجميع – بمن فيهم الذين دافعوا عن المشاركة في الانتخابات – أن شعار وزير العدل الذي أطلقه في 2014 “بصوتك تقدر” هو شعار فارغ المحتوى، وأن القدرة الحقيقة لا تقع ضمن حيز المؤسسات السياسية القائمة. فمن يتحكم بمخرجات ومدخلات العملية السياسية هو الديوان الملكي الذي اختار المرشحين، ويقدم لهم الدعم المالي واللوجستي على طريقة تقديم شراب “الفودكا”.
في المحصلة لا تبدو أن الانتخابات المقبلة تحمل معها ما يستحق المتابعة والعناء، فخلف المشهد المسرحي حكاية اسمها الديوان الملكي الماسك بزمام كل الأمور وتفاصيلها، وقد رأى الديوان منذ 2006 أن نظرية “نصف الديمقراطية” التي استعملها باتت غير مجدية، وأن المطلوب هو تغير واجهة الدولة السياسي عبر الإبقاء على شكل الديمقراطية ونزع دسمها ولو كان ضئيلا.
استراتيجيا تطلب إنجاز هذا الأمر مدة طويلة من الزمن، واستطاع الديوان أن ينجز فيها كامل تصوراته حول “الديمقراطية” في البحرين، وأن يصوغ لنفسه نموذجا خاصا في ذلك. فالديمقراطية هنا في البحرين تخلو من المعارضة، والمؤسسات السياسية تنزع صلاحياتها بنفسها، والأعضاء المترشحون لها مخمورون بنشوة “الفودكا” الروسية.
سيكون وزير العدل في حيرة من أمره عند إطلاق موعد الانتخابات المقبلة، خصوصا وأن قائمة المرشحين الحاليين تعج بالمتردية والنطيحة. فالقائمة الحالية تضم بعض المعاقين عقليا، والمحتالين، وأضيف إلى تلك القائمة راقصة سابقة، ولاعبون رياضيون. فهل سيكون شعار الانتخابات القادمة يتناسب وهذه “التخصصات”، وأن الشعار الذي سيُطلق لن يبتعد عن إعلانات الحفلات الراقصة المليئة بالمشروبات الروحية؟