البحرين اليوم – (خاص)
لم يسبق للأجهزة الخليفية في البحرين أن أعلنت عن “اكتشاف” خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم داعش بالصورة التي تُعلن فيها عن اكتشافاتها الفيتاغورثية “للخلايا الإيرانية”.
ورغم أن تلك الأجهزة ألقت القبض على مجموعات بسيطة تابعة لتنظيم داعش في البحرين؛ إلا أنها – وفي حالات نادرة – أفصحت عن بعض المعلومات السطحية.
فما المانع من الإعلان عن مثل هذه القضايا؟ ولماذا لا تعمل أبواق النظام على توعية الرأي العام بخطر تلك المجموعات؟ ولماذا لا تنشر صور المتورطين في هذه المخططات؟ ولماذا لا تبثّ اعترافاتهم في التلفزيون؟ ولماذا لا تعقد الداخلية الخليفية مؤتمرات صحافية بهذا الخصوص؟ ولماذا لا نسمع استنكارات وتنديدات خليجية عن الخطر الداعشي في البحرين؟! ولماذا لا يخرج صاحب “الظل الثقيل” وزير الخارجية الخليفي، خالد الخليفة، ليكشف للإعلام عن الجهات الداعمة والمتورطة مع تلك الجماعات الإرهابية التكفيرية؟!
يمكن تفسير هذه الإزدواجية في التعاطي مع القضايا الأمنية، وفهم هذا الصمت في ثلاث نقاط جوهرية:
– الأولى: إن نظام العصابة الخليفية نفسه منْ ارتكب الجرائم التي تحرّض عليها الجماعات الداعشية، من قبيل هدم المساجد، وقتل الناس على الهوية، والتنكيل بالأبرياء، والتحريض على الكراهية و.. شواهد هذه الحقائق لا تحتاج إلى كثير من الشرح والبرهان.
– الثاني: إن الجهات الداعمة للجماعات الداعشية هي نفسها الداعمة للنظام الخليفي، وبالتالي فإن سخط الخليفيين على تلك المجموعات منحصر فقط في أنهم خارج سيطرتهم في البحرين، وليس الإشكال في عقيدتهم ومنهجهم، أو في الجهات الداعمة لهذا الفكر والنهج الشيطاني.
– الثالث: إن صمت الخليفيين عن جماعة داعش في البحرين يعود إلى أن هؤلاء الإرهابيين هم رأس مال النظام الخليفي من “المواطنين”، حيث يفتقر النظام الخليفي للتأييد الشعبي، ولذلك يحاول تعويض هذه العقدة بالاستناد على هذه الجماعات، بل ويوفر لرموزها كلَّ الدعم والرعاية الخاصة، حتى لو رفعوا أعلام داعش جهارا نهارا في البحرين، واستخدموا أسماءهم الحقيقية للتحريض على الكراهية، والتشجيع على استهداف دور العبادة والأرواح.
في المقابل، ما سرُّ هذه “الهجمة الخليفية” على الجمهورية الإٍسلامية في إيران، واتهامها بالوقوف وراء كلّ شاردةٍ وواردة في البحرين؟ وهل أن “اكتشاف” مستودعات الأسلحة والمتفجرات تحت الأرض، وفي أكثر من منطقة في البحرين، حقيقة؟ ولماذا لم نسمع عن حوادث وعمليات استهدفت المصالح الخليفية تتناسب مع حجم وأطنان المتفجرات والأسلحة التي تدعي الداخلية اكتشافها؟ أم أن قوة المخابرات الخليفية بهذه القدرة التي فشلت أمامها كل الخطط ” الإيرانية الإرهابية”؟! منْ يصدق بأن إيران – التي خضع لها العالم، وصادق على دخولها النادي النووي، وجاءت لها أمريكا صاغرة معترفة بحقها في السيادة وضرورة حفظ مصالحها في المنطقة – أنها (أي إيران) أعيتها المخابرات الخليفية، وحطّمت أحلامها وكشفت حقيقتها، وأحبطت طموحاتها و.. غيرها من “الخزعبلات” التي تروج لها الأبواق الخليفية الغبية!
مما لا شك فيه بأن الخليفيين لا يمكنهم “النباح” بهذا المستوى إلا بإيعاز وضوء أخضر من الجهات التي يتعكزون عليها. وقد يكون الدور الخليفي في المرحلة الحالية هو توصيل الرسائل السعودية إلى الجمهورية الإسلامية، خاصة بعد أن توترت الأوضاع بعد فاجعة مصرع مئات الحجاج الإيرانيين، حيث لم تمضِ أيام على فاجعة منى وإذا بالنظام الخليفي يعلن عن طرد القائم بأعمال السفارة الإيرانية في المنامة، في محاولة فسّرها كثير من المحللين على أنها خطوة سعودية لصرف الأنظار عن فاجعة الحجاج في منى. خطوة توالت معها مجموعة من التصريحات والإجراءات الخليفية، حيث ألقى بعدها بأيام وزير الخارجية الخليفي خطاباً في الأمم المتحدة بنويورك هاجم فيه إيران، وتكرر ذات المضمون في “حوار المنامة” والذي أعقبته هجمة شرسة ومداهمات واختطافات طالت عشرات المواطنين.
من جانب آخر، فإن النظام الخليفي يقبل بلعب هذا الدور لأنه في الأساس لا يستطيع الرفض، كما أن الخليفيين يعتقدون أن ذلك يصبّ في مصلحتهم، حيث يتوهم الخليفيون أنهم وبهذه اللعبة يمكنهم أن يبرروا للعالم سياساتهم القمعية بحجة محاربة “الإرهاب”.
ومن الواضح بأن النظام الخليفي الذي لم يحكم البحرين طوال تاريخه إلا بحماية خارجية؛ لا يستطيع تدبير شؤونه والشعور بالإطمئنان على حكمه إلا بالحماية الأجنبية، وهو الأمر الذي يدفعهم للتمسك كالذنب بالسعودية، وهو ما يفسر تملقهم للإنجليز إلى الحد الذي يدعونهم إلى إنشاء قاعدة عسكرية وعلى “نفقة” آل خليفة، والإستعانة بخبرات البريطانيين حتى في تربية أولادهم وفي “آداب قضاء الحاجة”.
لقد باتت الأمور أكثر وضوحا من ذي قبل لجهة ضلوع المخابرات الأجنبية في كلّ هذه الإجراءات الإرهابية التي ينفذها الخليفيون ضد المواطنين. وربما لا يدرك نظام العصابة الحاكم في البحرين أن مثل هذه الأساليب لن تبرِّيء المتورطين من أفراد العصابة من جرائمهم أبدا. ومهما كثرت هذه الإكتشافات الفيتاغورثية؛ فذلك لن يحوّل صورة الجلاد ناصر، مثلا، إلى رجل سلام، ويُمنح بهذا اللقب جائزة نوبل، ولن يجعل من سلمان إبراهيم الخليفه “حامي حمى المحترفين من الرياضيين”، كما أن مثل هذه الأساليب لن تدفع منظمات حقوق الإنسان – بما فيها الأمم المتحدة – إلى تصنيف الأستاذ عبد الهادي الخواجه والرموز من مناضلين ومعتقلين تعسفيا؛ إلى إرهابيين يشكلون خطراً على أمن الإقليم! والأهم من هذا؛ لن يبريء ساحة الحاكم الإرهابي من مسؤوليته المباشرة في كل الجرائم في البحرين، ولن يُعيد له الهيبة التي سقطت تحت أقدام الثوار، أو يغير الشعار الشعبي الأبرز من (يسقط حمد) إلى ( آش آش بو صلمان)!
وعلى العكس من ذلك، فإن أماني الدعم الإنجلو أمريكي للخليفين هو ما يُفقدهم الإستقلالية في اتخاذ القرارات، ويجعلهم مسلوبي الإرادة والسيادة، ويستزف خيرات البلد، ويزيد المواطنين سخطا على العصابة المرتهنة بإرادة الغرب. والتي بدت تظهر بقبحٍ كامل لا مثيل له وهي تستدعي عودة الإستعمار على نفقة الدولة، ظنا منهم أن ذلك سيعطيهم مكانة وحظوة، ويوفر لهم احتراما ويضمن لهم “ملكهم” وينقذهم من غضب البحرانيين عليهم.
التصرفات الخليفية ومنْ يوجّهها لا تجعل من فكرة المقاومة فكرةً قبيحة ومخيفة، بل هي أكثر عامل يشجع المواطنين بشكل جدي لتفعيل مثل هذا الخيار لوقف الإستهتار والإستخفاف بكرامة المواطنين وحرماتهم. ويزيد من هذه الحوافز؛ وجود قوات الإحتلال المتعددة الجنسيات والأهداف، وعلى حساب أمن المواطنين وحريتهم وكرامتهم وحقهم في تحديد شكل النظام السياسي، والذي يتوازى مع استمرار التعذيب، وامتلاء السجون، والتعديات المستمرة ضد المعتقدات والشعائر. ولا يمكن للإرهاب الخليفي المسنود بالمرتزقة والدعم الخارجي ومنْ يقف وراءه؛ إلا أن يرجع خائبا خاسرا بعاره وشناره هو ومنْ تبعه وتولاّه. “وتلك الأيام نداولها بين الناس..”.