الخروج من “وحل اليمن”: قطر تفعل الاستدارة الأهم في مواجهة الحصار السعودي
البحرين اليوم – (متابعات)
كان من الطبيعي أن تردّ دولة قطر على الاتهامات المتتالية الموجَّهة إليها بالوقوف وراء الإرهاب و”العنف” و”التطرف”، ولكن الردود القطرية بدت في الأيام السابقة محكومة بمحدَّدين اثنين: الأول.. استظهار “الموقف الأمريكي” ومعرفة ما يمكن وما لا يمكن، أو ما يجوز وما لا يجوز من منظور واشنطن. والمحدَّد الثاني هو إعادة رسم خارطة الحلفاء والأعداء، والممكنات الجديدة المتاحة بعد أن أدّى الحصار، بقيادة السعودية، إلى هزّ العديد من نظام العلاقات والتحالفات التي كانت تتحرّك، أو تترقّب، الودَّ من الدولة المنفوخة بالغاز. وبناءاً على هذين المحدَّدين تعمل الدوحة، بتحدٍّ، على امتصاص مفاعيل “الحصار” وتوجيه الصّدمة “المفترضة” إلى نقاطٍ إيجابية لتوجيه الضربات “المحتملة”. والتنبيه هنا بوضع علامة “تنصيص” بين الكلمتين في العبارة السابقة؛ مقصود بغرض توجيه الانتباه إلى أن “الافتراض” و”الاحتمال” في الأغلب هو ما يُدير مجريات السطح الملتهب في الخليج اليوم، لأن الأعماق وجذورها ستظل من العسير الإمساك الكامل بخطوطها وخيوطها.
من الممكن القول بأن قطر أنجزت مساء أمس الجمعة – أو بدأت – الخطوةَ الفعلية لما يمكن اعتباره “ردّاً فاعلا”، وليس “ردّ فعل” على الحصار السعودي المفروض عليها. فقد بثّت قناة الجزيرة القطرية أمس الجمعة، ١٦ يونيو ٢٠١٧م، حلقةً من برنامج “الحصاد” تناول مآلات العدوان السعودي على اليمن. تقرير الحلقة الذي أُذيع في أوّلها اختصر الاتجاه الجديد للدوحة في التعاطي مع “التحالف العربي باليمن” الذي طُردت منه، وقد حمل التقرير العنوان التالي: “محصول التحالف العربي باليمن: أجندات وانتهاكات وفوضى التشكيلات المسلحة”، وبدأ بعبارةٍ تختصر محتواه تقول: “لم تكن الصورة في اليمن قاتمةً كما هي عليه اليمن”، مثيرا تساؤلات التشكيك الواضح بشأن “النتيجة” التي يدفع إليها “التحالفُ العربي” اليمنَ الذي “لم يعد سعيداً”، ومستظلا في ذلك بالأزمة الخليجية التي اصطفت فيها الحكومة اليمينة التابعة للسعودية في خانة “المحاصرين” للدوحة، في مشهدٍ ساخر يُذكّر بموقف هذه الحكومة – المقيمة في فنادق الرياض – بقطع العلاقات مع إيران العام الماضي بعد أن قطعت السعودية علاقاتها معها إثر ردود الفعل الإيرانية الغاضبة إزاء إعدام الشيخ نمر النمر.
من المؤكد أن القطريين لن يفتحوا ملف “اليمن” – فقط – لأن السعودية طردتهم من تحالف العدوان، أو لأنّ الرياض وضعت قائد القوات المسلحة القطرية الخاصة، حمد فطيس المري، على قائمة الإرهاب التي أصدرتها الأسبوع الماضي في سياق تأجيج المواجهة مع الدوحة. ولكن المقصود، تحديداً، من هذا التعاطي الجديد هو استثمار ما حصل في الأيام الأخيرة لتعبيد الطريق من أجل إخراج قطر لنفسها من الوحل الذي أدركت بأنه بالفعل كذلك بعد أشهر من بدء العدوان في مارس ٢٠١٥م، حينما تحولت اليمن – حقيقةً – إلى “مقبرة للغزاة”. من هذه الزاوية؛ يعبّر تقريرُ قناة الجزيرة عن المعنى الرسمي للدوحة حينما يؤكد بأن العدوان على اليمن كان – حصراً – بقيادة “الرياض وأبوظبي”، وأنهما في المقابلِ لم يملكا “خطة واضحة” في إدارة العدوان، وليفتح التقرير – علنا – الخلافَ في “رؤية” كلٍّ من السعودية والإمارات و”التباين الواضح” بينهما على مستوى “الرؤية والتوجه” داخل اليمن، وهو أحد أسباب فشل “الحسم” في مناطق يُفترض أن يسيطر عليها حلفاء العدوان، كما تريد الدوحة أن تقول.
من “المتوقع” أن تتحرك الدوحة أكثر فأكثر ناحية إثارة التناقضات بشأن المأزق السعودي/ الإماراتي في اليمن، وهي تعلم أن ذلك ليس من بين “الممنوعات الأمريكية”، وهو محدَّد مهم بالنسبة للقطريين الذين لا يملكون القدرة – مثل بقية الخليجيين – على الخروج من الشرط الأمريكي الأقوى. ومن غير المستبعد، لذلك، أن الاندفاعة القطرية في الموضوع اليمني ستكون موجَّهة بطبيعة الإنزعاج الأمريكي الذي سيظهر بين الفينة والأخرى إزاء “الفشل المتدحرج” في اليمن. إلا أن قطر – من جهة أخرى – سوف تجد في استدارتها خارج “الوحل اليمني”؛ فرصةً مجدية لإعادة الوْصل – مجددا – مع المحيط الإقليمي الذي لا ينخرط في شعارات “عاصفة الحسم” و”إعادة الشرعية”، بما في ذلك حركة أنصار الله وحزب الله، وإيران بالطبع. وفي ذلك يمكن قراءة “الخرائط” الجديدة.
الضيف السعودي الذي تحدّث في برنامج “الحصاد”، اكتشف – من غير ذكاء كبير – أن تقرير البرنامج وما وردَ فيه؛ كان متأثرا بالأزمة المتصاعدة في الخليج، وباختلاف أمزجة المشيخيات فيما بينها، كما أنّ التقرير مغاير للطرح الإعلامي الذي عبّرت عنه القناة – والذي كانت تتبناه رسميا قطر – في الملف اليمني وطبيعة التعاطي مع التحالف السعودي. وهي ملاحظة تذكّرنا بأن كلّ شيء قابل للتغيُّر، والتحوُّل، يميناً وشمالاً، تماما كما أن كلّ شيء يمكن – بلعبة الإعلام وبقدرة المال وتبدُّلات المزاج – أن ينقلب من النقيض إلى النقيض فجأة وفي وميضٍ خاطف. وهذه هي الحال الذي تتضخم فيها قطر وأعداؤها الخليجيون على حدّ سواء، فكلاهما يصنع حتْفَه ومصيره، إما بالسقوط المدوّي أو.. الأقل دويّاً.