الحل السياسي في البلاد.. تمثل أم تمثيل؟
البحرين اليوم – (خاص)
عباس الجمري
كاتب من البحرين
تارةً يأتي الحل السياسي على شكل مشروع مشفوع بتفاصيل التمثل السياسي والخطة الاقتصادية والانعكاس الاجتماعي، فيسمى “مشروع حل” لقضية ما، وتارةً يأتي على شكل مقترح يتم فيه محاولة من “التمثيل” لدور الملاءمة السياسية الناقذة من براثن أزمة.
وبين التمثيل والتمثل يستعصي النأي بالعقل عن ضرورات فهم المقدمات الجيوسياسية، من خلال القفز على تلك المقدمات لتقديم مقترح يكون على طبق من “كلام” ويُراد للناس أن تتبعه بوصفه “روشته” عبقرية من طبيب خبير!
وكجملة اعتراضية – ولأن الكلام عن “الكلام” – يجرنا إلى موضوع أبطال الكيبورد، أو هكذا يحب البعض تسمية المدونين، فإن “الكلام” في المايكروفونات لا يختلف كثيراً عن الكلام في وسائل التواصل الاجتماعي إذا ما أفضى الطريقان إلى وهم واحد. فالقيمة الكلامية تكمن في مضامينها لا في طرق إصدارها.
وعوداً على التمثيل والتمثل، فإن طريقة “الشخص الفلاني هو حل لأزمة البحرين”؛ يشي بشيء من التبسيط المفضي إما إلى الكوميديا السوداء أو إلى النكتة البيضاء.
مثلا: المشاركة في البرلمان بما هي مشاركة قد تفضي إلى حل لأزمة البحرين. هذه الجملة الإنشائية غير المفيدة في سياق الواقع تؤدي بنا إلى السؤال: هل هذا تمثل للحل أو تمثيلا له؟
التمثل يحتاج لمشروع يؤهلك أن تجسده، وأن تكون هناك مساحة حقيقية لاختباره وإنجازه والقياس عليه من قبل الآخرين، التمثل يعني أنك مصنع إنجاز لا مختبر تجارب، ويعني أنك قادر على تطويع الظروف المركبة وتحويلها إلى معادلة واضحة الأطراف وواضحة النتائج. أما التمثيل فإنه إما سهل ممتنع أو سهل مصطنِع (بكسر النون)، يسهل فيه الفشل بجرة ألم، وتبرير قلم. التمثيل يعني أنك تحاول في الجري ولا بأس بالكبو، إلا أنه في موضوع “الأمة” فأنْ تريد أن تكبو بها ومن ثم تتملص بسهولة الهارب من الحلبة؛ فذلك ما لا يقبله الكثير.
ورغم أن كل المراقبين المؤيدين لمحور السعودية أو المعارضين يجمعون على أن محمد بن سلمان متجه نحو التصعيد ثم التصعيد ومن ثم التصعيد، فإن أحداً لا يخبرنا عن كيفية فك ارتباط “البرلمان هو الحل” مع “الحريق الإقليمي” الذي يشعله الصبي قليل الخبرة، والذي يفتح على نفسه أبوابا جديدة من المشاكل والتحديات، وهو لا يعرف كيف يغلق الأبواب القديمة المستنزفة للمنطقة كلها.
ورغم أن الاقتصاد في البلاد متجه إلى الانحدار السريع، ويعلم أصحاب “البرلمان هو الحل” أنك لا تستطيع مساءلة فاسد إلا بطريقة محمد بن سلمان (تكوين لجنة لمراقبة الفساد برئاسة أكبر فاسد في البلد)، فإن أحدا من هؤلاء -الأعزاء- لا يخبرنا عن طرق النجاة من وضْعٍ مأزوم صنعته الأيادي الخليفية وسلمته صاغرة لآل سعود.
كل ذلك غير مهم، المهم أن تكون المايكرفونات تعمل بوضوح، ويأتي التمثيل من على المنصة بوصفه تمثلاً للحل، من ثم تخمد الأسئلة الحيرى بسؤال: (ما هو البديل؟).
وكأن السائل بسؤاله يخترق حجب الفلاسفة ويطرح معادلة “آنشتانية” لا مثيل لها في الصعوبة! غير أن الجواب سهل، وهو أن سؤالك خطأ “منطقيا”، فلا يُسأل عن البديل عن شيء غير موجود (في نتيجته وقيمته وقيميته)، أي ليس ثمة بديل للصفر لأنه صفر، والقيمة الرقمية أيا كانت فهي مختلفة عن الصفر لا بديلا عنه.
شخصياً، ليس لدي مشكلة مع أي طرح، على أن لا يُقدِّم نفسه على أنه “الحل الضرورة”، وهو في واقعه “كلام” غير تمثلي، بالمعنى الثقافي للكلمة.