البحرين ويوم القدس: رسالة إلى من يهمه الأمر
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: كريم العرادي
كاتب من البحرين
أحيى المواطنون في البحرين يوم القدس العالمي في آخر جمعة من شهر رمضان، ولبوا بكل ما يملكون نداء مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني العظيم. أحيى الناس المناسبة رغم الجراح المثخنة من نظامٍ لن نختلف كثيرا في اعتباره واحدا من أسوأ الأنظمة الذيلية في المنطقة، وأصر المواطنون من مختلف الفئات والأعمار على أن يزرعوا في طرقات المنامة وشوارعها أعلام فلسطين وصور الإمام الذي أشعل في النفوس الأملَ بالخلاص من المستكبرين والطغاة، وهم في ذلك يقدمون شكلا فريدا من أشكال النضال “الأممي” الذي أوقدته ثورة إيران المباركة منذ عقود، لتكون البحرين وشعبها نموذجا على القدرة الخلاّقة في تكثيف النضالات الداخلية والخارجية، وصهْر الوجع الداخلي بأوجاع الأمة من اليمن إلى فلسطين، وعلى النحو الذي جعل أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، يشيد على نحو الخصوص بتظاهرات البحرين التي عمت البلاد وفاءا لقضية القدس وفلسطين المحتلة.
ليس الأمر هنا، بالنسبة لغالبية البحرانيين، مجرد انفعال عاطفي أو هوى مذهبي أو تعالق عميق بالكينونة الخمينية، ولكنه تمثيل عملاني على المزاوجة المتكاملة بين الداخل والخارج، والصفاء الثوري الذي يُدرك بحكمة أبعاد مقاومة الوجود الخليفي وأعوانه المحتلين، إضافة إلى براعة التشكيل الخطابي للاحتجاجات وتلوينها بألوان مفتوحة على آلام الناس ومعاناتهم في كل مكان ودمجها مع الألم الداخلي الذي يتفجر بالمعاناة منذ أكثر من ٧ سنوات ويزيد. وهذا النموذج النضالي لشعب البحرين ينبغي أن يكون محل نظر وتأمل جاد لدى كل الذين يعنيهم رسم الخرائط الإقليمية، والذين يرتبطون – بالفعل والقوة – في المحور العام لمقاومة الاستكبار والمشاريع المعادية لشعوب المنطقة.
ولاشك أن جزءا أساسيا من هذه الخاصية النضالية تولّدت من رحم ثورة ١٤ فبراير، وأخذت مقاومتها وامتدادها ورسوخها من الفعل الثوري المتراكم الذي شارك فيه المواطنون برعاية جسورة من القوى الثورية خاصة، وبإمداد من المعارضين النبلاء والنشطاء المضحين والمجموعات الضاغطة المؤثرة التي يأتي على رأسها المجموع المبارك لعوائل الشهداء. ولذلك ينبغي أن يكون أكيدا أن النموذج الثوري في البحرين – بحضوره الميداني ونظامه اللغوي والخطابي وتعبيراته السياسية المبدئية – استطاع أن يتقدّم – زمنيا وبلورة – على كثير من النماذج المشابهة في المنطقة، رغم بساطة الإمكانات، وهول التحديات والمؤامرات وعمليات التشويه التي شُنت على ثورة ١٤ فبراير في قواها الحية وفي بيئتها الحاضنة وفي رموزها الأصلاء. وهذا أمر سيكون، ولا شك، موضوعا للدرس الأكاديمي والعبرة الفكرية والاستفادة المعنوية حينما تتكشف المزيد من الخفايا وتهدأ بعض الميادين الملتهبة ويبدأ العقل النقدي عمله الهاديء في التفكيك واستخلاص الدروس.
يحمل البحرانيون على عاتقهم مشروعا مركبا في الثورة، وهو مشروع متعدد الأضلاع والزوايا. فهم معنيون، مبدئيا، بتثبت المفاصلة مع آل خليفة باعتبارهم طغاة ومجرمين لا صلاحية في التعاطي والتعايش معهم، لأنهم يستهدفون تنفيذ واحد من أبشع مشاريع الفصل العنصري والطائفي بحق السكان الأصليين. والدخول في هذا المعترك ينظر إليه البحرانيون باعتباره “حربا وجودية” مماثلة لما يجري بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث تجري على أرض البحرين أخطر وأظهر مشاريع الإبادة التي عرفها التاريخ الحديث. هذا جانب، ومن جانب ثان، فإن النضال الثوري في البحرين معنيّ – في تشكيله الأصيل الذي تبلور في ٢٠١١ مبكرا – بمجابهة الوجه الآخر للصهيونية الاقتلاعية، وهي الوهابية السعودية، وهو ما ينعكس جليا في استحضار آل سعود في صميم الشعار الثوري والخطاب السياسي للثورة بوصفهم أداة كبرى، وخبيثة، في مشروع الاقتلاع وسياسة القتل على الهوية ونشر الفوضى في المنطقة، وقد توسع هذا الاستحضار بدءا من الاحتلال السعودي للبحرين في مارس ٢٠١١م، ومرورا بالجرائم المرتكبة بحق المواطنين في المنطقة الشرقية وخصوصا مع جريمة إعدام شيخ الشهداء الشيخ نمر النمر، وصعودا مع جرائم آل سعود في اليمن ومفخخاتهم الوهابية في العراق وسوريا ولبنان وغيرها. وسيكون لافتا أن المشهد الثوري البحراني كان الأسبق – على مستوى محور المقاومة – في تثبيت هذه المجابهة مع آل سعود، وبأعلى مستوياتها النضالية والجذرية.
هذا الربط بين آل خليفة (الذين يطبقون الأبارتهيد الصهيوني في البحرين) وآل سعود (الذين باتوا رأس حربة المشروع الصهيوني في المنطقة)؛ يدفع البحرانيين رأسا إلى الاصطفاف المطلق مع قضية القدس ومحور المقاومة، حيث تبرز هذه القضية بوصفها جزءا لا يتجزأ من هوية الثورة البحرانية وتشخيصها الدقيق لثالثوث الشر الذي يتخذ من البحرين منطلقا له، ولاسيما مع توافد الوجود البريطاني العسكري إلى جانب الوجود العسكري الأمريكي.
ربما يكون هذا وحده السبب الكافي لأن تكون البحرين وثورتها محل الرعاية والأنظار الحاضنة، وموضع الدعم والاعتبار الثابت، وأن يُصبح التضامن – العملي – مع النضال الثوري المتواصل منذ سنوات – بل عقود – واجبا في أعناق كل الذين يريدون لنهضة الخميني العظيم أن تتجلّى أكثر فأكثر، وأن تحقق فعلها الحقيقي على أرض الواقع، وبأوسع نطاق.