البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: باقر المشهدي
كاتب مختص بالشأن البحراني والخليجي
ليس خفيا على أحد أن النظام في البحرين قد قرر سلفا ومنذ عقود طويلة، المضي في هذه “الحيلة” والتفنن في إخراجها سياسيا واجتماعيا، أقلها منذ الانقلاب على دستور 1973 وإفراغ البلاد من أي مؤسسة سياسية محترمة، والزج بكل القيادات السياسية المعارضة وجمهورها في السجون تحت ذريعة تهديد أمن الدولة. وفي الواقع، لا توجد معالم دولة في هذه الجزيرة، وبالتالي فإن التهديد المشار إليه هو تهديد مصالح العائلة الماسكة بالحكم. فالمطالبة بالمشاركة السياسية والتحول من النظام العائلي إلى النظام الديمقراطي؛ يعتبر في نظر حراس القصر تهديدا لبقاء سيدهم في سدة الحكم، وتهديدا لبقاء عائلته متسيدة وصاحبة الامتياز الوحيد.
ربما كان الإتكاء على التاريخ لفهم هذه الحيلة ومخرجاتها مفيدا في سياق الفهم والتدبر، إلا أن التمعن في معطيات الحاضر وتشخيص الأوضاع الحرجة يمثل عنصرا ملحا في إفشال مشروع التسكع السياسي وتثبيت خيار الصمود السياسي كعمود رئيسي في مقاومة السلطوية.
مواقع القوة المتغيرة
خلال أعوام الثورة الستة؛ تراوحت مواقع القوة بين الصعود والهبوط لدى كل من السلطة والمعارضة، وما من شك أن السلطة ومنذ 2014 تقريبا؛ استعادة بعض مواقع القوة التي خسرتها منذ 2011، وقد عملت السلطة على استثمار هذا الصعود بشكل جنوني، حيث وجدت في التراخي الدولي وصعود حلفائها الإقليميين سياسيا؛ فرصة سياسية لإجهاض على كل ما تبقى من معالم الحياة السياسية المحترمة، وسعت بكل جبروتها لفرض قوانين الإكراه والعسف ورفع وتيرة الانتهاكات والقتل خارج القانون إلى أقصى الحدود الممكنة. هذا الانجراف الجنوني عكس العقلية العسكرية التي مُنيت بهزيمة سياسية في جولتين، وأمام قوة شعبية سلمية تماما. فإضافة إلى التكوين البنيوي لتلك العقلية العسكرية والقائم على أسس الانتقام والتشفي؛ جاءت تلك الهزائم لتضيف أسبابا أخرى لترسيخ الانتقام، واختيار سبل التصفية السياسية بطريقة ممنهجة.
رغم ذلك، فإن موقع القوة الذي استثمرته السلطة السلطوية في البحرين بات الآن مهددا بالتراجع لأسباب عديدة، منها الانهيار الاقتصادي الضخم الذي لحق بالمنطقة، ومنها هزيمة محور حلفاء السلطة في الجوار الإقليمي. وهذا يعني أن المرحلة المقبلة الآن ستكون السلطة فيها في أضعف حالاتها اقتصاديا وسياسيا. لا يعني ذلك تنازل السلطة عن منهجية القمع وسعيها لمواصلة السعي لتجفيف منابع بؤر المقاومة السياسية بكل أشكالها.
إذن ما الذي تقوم عليه الدعاية الرسمية؟ أو ما الذي يمكن لمراكز التخطيط في السلطة أن تنتجه؟ وما الذي يمكن فعله لمواجهة هذا التخطيط؟
الراجح هنا أن تلجأ السلطة لتمرير مقولة قوة السلطة كمعطي ثابت ومستمر، وتعمل على تضليل الرأي العام من خلال الإمعان في الإجراءات الانتقامية كوجه يغطي موقع الضعف الذي بات فيه. وفي هذا السبيل، ستزيد السلطة من الأفراد المتسكعين سياسيا واعتبارهم طوق النجاة الأخير. بجانب ذلك كله؛ سيكون التذكير بجبروت السلطة وقدرتها على إلحاق الخسائر ركنا أساسيا في المواجهة السياسية.
في المقابل، فإن خيار الصمود السياسي وإفشال مهام التسكع السياسي يبقى هو المتعين على كل محترفي السياسة. ومعنى الصمود السياسي في درجاته الدينا على الأقل؛ هو الالتزام بقاعدة أن الشرعية السياسية لا تُعطى مجانا، وأن تحققها لا يكون إلا من خلال تعاقد اجتماعي واضح ومعلن يحظى بالموافقة الشعبية. ويعني أيضا التخلي عن أوهام سياسة الاستجداء، وما يلحقها من ثقافة التزلف لحراس القصر.
الواقع المحيط من حولنا لا يحتمل المزيد من تعفين الوضع وممارسة ديمقراطية الواجهة.