البحرين بين استمرار الثورة.. وفشل الخيارات الخليفية
البحرين اليوم – (خاص)
مع دخول الثورة البحرانية عامها السادس أثبتت الارادة الشعبية أن العبرة ليست بالسلاح والقوة والقمع، لكنها بالرجال والنساء والأطفال الذين يواجهون هذا السلاح، ولم ترهبهم عمليات القمع والتنكيل، وأن أسلحة الصمود والصبر والإصرار على نيل المطالب بإمكانها التصدي للأسلحة التقليدية وغير التقليدية.
إن آل خليفة الذين جلبوا الجيوش من شتى أصقاع الارض، واستعملوا أحدث الأسلحة في تعاطيهم مع مطالب الشعب؛ يراهنون على إخماد الثورة، إلا أن العالم اليوم يرى هزيمتهم في معركتهم الدموية التي افتقرت إلى النظرة السياسية التي تجسد حقيقة القمع في واقع سياسي كان بإمكان السلطة استثماره للانتقال إلى واقع أفضل من ناحية الأمن والاستقرار، وبما يُحسّن من صورتها أمام الرأي العام العالمي، ويُقربها من الاعتراف بمطالب الشعب الذي من المفترض أن يكون الضمانة الوحيدة لبقائها في بيئة ترفضها وتلفظها.
لقد أثبتت أحداث الخمس سنوات الماضية أن العائلة التي تسيطر على زمام الأمور بالقوة في البحرين أنها سلطة حمقاء، وتفتقر إلى الوعي الإستراتيجي، وذلك عندما ضربت بكل العهود والمواثيق السابقة عرض الحائط، بل وفرطت في شرعية (04. 98) – نتيجة التصويت على الميثاق – وأعادت الموقف بينها وبين الشعب إلى المربع الأول برغبة كامنة في عقلها الباطن الرافض للاعتراف بحقوق الشعب البحراني.
إن غطرسة العائلة الخليفية جعلتها تظن أن القوة التي تمتلكها هي الأداة الوحيدة لممارسة السياسة، حيث أعيتها الوسائل الأخرى التي يستخدمها الساسة ورجال الدول في تصديهم للأحداث، وفي تعاطيهم مع قضايا ومطالب شعوبهم.
بعد مضي خمس سنوات من تفجر الثورة، وعلى الرغم من قساوة الممارسة من قبل السلطة؛ نجد أن الإرادة الشعبية لم تنكسر، وظلت صامدة بطريقة مدهشة أقنعت الكثيرين بأن السلطة المتعجرفة – وإنْ كانت كسبت بعض المعارك – إلا أنها خسرت الحرب، ذلك أن المعركة إجراء عسكري، والحرب إجراء سياسي، بل هي السياسة بطريقة أخرى تمزج المعارك الناجحة بالمعارك الخاسرة لتصنع منها عجينة يتشكل منها واقع سياسي جديد. ولذلك فإن رجل الدولة هو الذي ينظر إلى شكل السلام والأمن والاستقرار من خلال دخان المعارك وقعقعة المدافع وهدير الدبابات وأزيز الرصاص. أما السياسي الخائب – كما هو حال سلطة آل خليفة – فإن دخان المعارك يعميهم وأصوات مدرعاتهم ومروحياتهم تصيبهم بالعمى؛ فيصبحون كالثور الهائج في الحلبة يناطح الراية الحمراء في يد المصارع الذي يغرس السهام في جسده، حتى يقع على الأرض من كثرة النزيف.
إن غريزة الانتقام وممارسة سياسات الإذلال، وكل “قيم” العصابات؛ هي التي تميز شخصية هذه السلطة. فبعد مرور خمس سنوات على تفجر الثورة، نجد أن السلطة وبدل أن تتعلم على الأقل من الواقع الذي وصلت إليه؛ نراها تضيف إلى أخطائها العديدة والكثيرة أخطاء أخرى. فبعد أن قامت بفرض حالة دائمة من العقوبات الجماعية والاعتداءات الانتقامية المختلفة الأشكال، من اعتقالات ومداهمات واعتداء على الأعراض والمقدسات وإذلال على الحواجز؛ عمدت إلى قطع آخر خيط يربطها بالمجتمع البحراني عندما أقدمت على اعتقال الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية – الشيخ علي سلمان – التي كانت المرشحة الأولى لخوض حوار مع السلطة.
لم تتعلم السلطة من أن كل إجراءاتها تلك لم تجد نفعا ولم تخرجها من حلقة العنف والانتقام المفرغة التي تدور فيها، وأنْ لا حل أمامها إلا العودة إلى صوابها بوضع حد للاستبداد المفروض بالقوة على شعب يتوق للحرية واستعادة سيادته الوطنية وحقوقه الثابتة والمشروعة، خاصة أن سياسات السلطة القمعية والانتقامية ليس فقط ساعدت في استمرار الثورة وصمودها حتى هذا الوقت؛ بل ستزيدها اشتعالا وتوقدا وتضاعف من خسائر السلطة، سواء على صعيد الإنهيار النفسي والمعنوي أو على الصعيد السياسي، حيث العزلة التي فرضتها سياساتها المتهورة.
واليوم، وفي الذكرى الخامسة لتفجر ثورة الكرامة؛ ثبت لسلطات آل خليفة قبل غيرهم أن هذه السياسة فشلت في تصفية القضية أو إخماد إرادة وتطلع الشعب للحرية والعزة والكرامة، وفشلت في الالتفاف على المطالب السياسية العادلة والمشروعة، سواء من خلال إيهام العالم بأن البحرين لا تشهد أزمة سياسية، ووالإيحاء بأنها مجرد قضايا أمنية، أو محاولاتها تحويل القضية من سياسية إلى حقوقية، وهو الأمر الذي يفسر الأعداد الهائلة للمعتقلين والأحكام القاسية التي تصدرها بحقهم، وأن أقصى ما حققته هو إنجاب جيل جديد من المقاومين والثائرين الذين رأوا بأم أعينهم ظلم السلطة وجبروتها، الأمر الذي لا تنفع معه هذه السياسات، بل ستزيد من تصلبه وإصراره على حقه في الحياة والحرية والكرامة بصورةٍ لا تقل عن أي شعب آخر.
وهكذا خسرت سلطات البحرين حربها على الشعب، إذ لم تتمكن من كسر إرادة البحرانيين وإخماد ثورتهم، وخسرت السياسة عندما اعتقدت أن القمع والانتقام أصبح هدفا، وخسرت الرأي العام لاستخدامها القوة الغاشمة أمام شعب أعزل طالب بمطالب عادلة ومشروعة لم ينكرها حتى حماة آل خليفة من الأمريكيين والبريطانيين.