الباحث السوسيولوجي الدكتور عبد الهادي خلف
عن كتاب “زفرات”
يسهم هذا الكتاب في توثيق التعذيب بإعتباره جزءً مخفياً من تاريخ البحرين الحديث. كما إنه يسهم في الوقت نفسه في توثيق أساليب المقاومة التي شهدتها سجون البحرين ومعتقلاتها في السنوات الخمس الأخيرة. تشير التفاصيل التي يوثقها الكتاب في كل زفرة من زفرات ضحايا التعذيب إن السلطة الخليفية لا تعترف بآدمية معارضيها ناهيك بأحقية مطالبتهم بالعيش بأمان وكرامة في وطنهم. وفي التفاصيل ذاتها يقدم الكتاب توثيقاً لكيف حاول ضحايا التعذيب في البحرين أن يحافظوا على إنسانيتهم وعلى إيمانهم بأن صمودهم في السجن سيسهم في تسريع بناء بحرين المستقبل كما يريدها أهلها.
التعذيب بأشكاله المختلفة هو وسيلة أساسية من وسائل القمع التي تستخدمها الأنظمة الإستبدادية على إختلاف درجاتها في جميع أرجاء العالم.ورغم إنتشاره فمازال التعذيب سراً من الأسرار الذي تبذل الدول الإستبدادية جهوداً كبيره في إخفاء ممارستها له وفي إنكاره إن إفتضح أمرها. لقد عرف العالمُ قبل غوانتنامو وقبل أبوغريب وبعدهما مئات التقارير التي توَثِّق التعذيب وأشكاله. وثمة آلاف الشهادات عن معاناة من ماتوا تحت التعذيب أو أُصيبوا بعاهات جسدية ونفسية. وثمة آلاف الشهادات التي كتبها الناجون منه. ورغم مع ذلك لا يمكن القول إننا نعرف كل ما يجب أن يُعرف. كما إننا لا نعرف كل ما يجل أن يُعرف عن آثار التعذيب المباشرة وغير المباشرة على ضحاياه ناهيك عن أساليبهم في مقاومة جلاديهم.
لا تهدف كل ممارسات التعذيب للحصول على معلومات يعتبرها الجلادون هامة. فكما تبين من مما عُرفَ عن الممارسات الإجرامية في غوانتنامو وأبو غريب وغيرهما من سجون التعذيب، تسعى أغلب ممارسات التعذيب في الواقع إلى إذلال الضحية ونزع آدميته. وهذا هو ما يتضح أيضاً من قراءة شهادات كثيرة يتضمنها هذا الكتاب. فعلى سبيل المثال، حين يأمر الجلادون الضحايا بالزحف على بطونهم في ممرٍ طويلٍ بينما هم يضربونهم بالهراوات على ظهورهم وأرجلهم فليس الهدف إنتزاع معلومات أو حتى معاقبة السجين على مخالفة. بل إن الهدف هو الإذلال ونزع الآدمية وإرغام الضحايا على قبول إن صوت الجلاد هو صوتهم وإرادته هي إرادتهم. ولهذا نجد إهتمام الجلادين بترتيب “جلسات التعذيب الدسمة” في أوقاتٍ لا تخطر على بال أو قيامهم بصب المياه الباردة في عزِّ فصل الشتاء على المعتقلين والسجناء. ولهذا أيضاً يتكرر إرغام الضحايا على إهانة أنفسهم بعبارات مثل “أنا أرنب…أنا حمار… أنا كلب…أنا خنزير”. ولهذا أيضاً يُجبرالسجناء على تقليد أصوات الحيوانات وحركاتهم. ولهذا أيضاً تتكرر الشهادات عن جلسات التعذيب التي يرغم الجلادون فيها ضحاياهم على التغني بالنشيد الملكي أو الهتاف بحياة الملك وعمه ووليّ عهده.
صمت الضحايا هو الدرع الذي يحتمي به الجلادون في جميع البلدان الإستبدادية. ولكل صمتٍ أسبابه. ولكل ضحيةِ تعذيب ظروفه وظروفها. إلا إن ثمة عوامل مشتركة تسهم في إسكات الضحايا وإخفاء معاناتهم. أبرز هذه العوامل هو الخوف من إنتقام أجهزة النظام الجلاد. إلا إن صمت الضحايا قد يكون اليأس من العدالة أو نتيجة قناعة بأن السلطة وجلاديها قادرون على الإفلات من المساءلة بما لديها من أجهزة إعلامية تتولى الإنكار وما لديها من أجهزة أمنية وقضائية تتولى ملاحقة من يجرؤ على الشكوى. ولهذا يكتسب هذا الكتاب قيمة إضافية عبر إسهامه في إزالة جدار الصمت في البحرين.فالزفرات التي يتضمنها هي شهادات لضحايا تعذيب بعضهم خرج من السجن وبعضهم ما زال فيه. وجميعهم عرضة لإنتقام السلطة الخليفية.