البحرين اليوم – (خاص)
الإنتقام من العائلات البحرانية نهجٌ لم تحيد عنه السلطاتُ الحاكمة في البحرين. هو انتقام من كلِّ ما هو أصيل ومجيد في هذه البلاد، ويعبّر عنه الخليفيّون بسلوكٍ رديف من خلال التودّد لكلّ الطارئين على هذه الأرض، واستيراد المرتزقة من كلّ البقاع لتعذيب المواطنين وقتلهم، وتمكنيهم من نعيم البلاد وخيراتها، في حين يُحرَم منها سكّانها الأصليّون الذين تُفتَح في وجوههم أبوابُ السّجون وتُنصب لهم المشانق، وتلاحقهم المعاناةُ من كلّ الجهات. وبالنسبة لوحشٍ مثل آل خليفة؛ فإن سيلان الانتقام يزيد حينما يكون الهدف عائلةً من عوائل الشهداء.
عائلة الشّهيد علي المؤمن كانت هدفاً لهذا المسلسل المفتوح من الانتقام الحاقد. الشّهيد الذي قطّعته قواتُ المرتزقة إرباً بعد هجومها على دوار اللؤلؤة، في ١٧ فبراير ٢٠١١م؛ لا تزال عائلته تتلقّى الانتقام تلو الآخر بعد أن أبت التخلّي عن حقّها في القصاص من القتلة، وما توقفت يوماً عن ملاحقة أولئك الذين ارتكبوا ما عُرف بمجزرة الخميس الدامي.
أراد الخليفيّون في كلّ مرّةٍ توسيع أظافر الفتك بهذه العائلة، ولم يميّزوا بين شيخ كبير أو طفل أو امرأة، وهو ما حصل في مارس ٢٠١٥م عندما اعتقلت السلطات سبعة من رجالات العائلة لدى عودتهم من العراق عبر جسر السعودية، ووجّهت إليهم تهماً مزعومة بنقل مواد تدخل في صناعة المتفجّرات.
التحقيقات آنذاك شملت حتى النساء والأطفال، ومنهم والدة الشهيد، ولم يتم الإفراج عنهم إلا في ساعة متأخرة من ذلك اليوم بعد تعرّضوا – ولساعاتٍ طويلة – للتحقيق والتفتيش الدقيق والمهين الذي طالَ النساء والأطفال ممّن كانوا على متن الحافلة. أما الرجال فتم نقلهم إلى مبنى التحقيقات الجنائية، سيء الصّيت.
الإعتقالات طالت حينها عمّ الشهيد وأبناء عمومته وجميع منْ كانوا في الحافلة التي قدمت من زيارة دينية في العراق ولحضور حفل زفاف أحد أقاربهم هناك. وقد أعقب ذلك إصدار محكمة خليفية حكم بالسّجن المؤبد على أربعة من افراد العائلة، في إمعانٍ لا حدود له في الإنتقام من العائلة.
السّلطات الخليفية لم يروِ غليلها سفْك دماء الشّاب المؤمن، ولا سجْن أبناء عمومته؛ بل أعادت الكرّة مرّة أخرى وبعد عامين من عمليات الإعتقال الأولى؛ لتشنُّ حملة مداهمات جديدة يوم الإثنين الماضي، ١٣ مارس ٢٠١٧، أسفرت عن اعتقال ستة أفراد من عائلة المؤمن، إضافة إلى ما يُقارب ثمانية أشخاص ممّن ترتبط بهم بعلاقة صداقة. وقد جاء ذلك ضمن حملة مداهمات طالت جزيرة سترة، التي بقيت هدفاً لموجة الانتقام الممنهج بعد أن أضحت عاصمة الثورة وخزّان الشهداء. وبين المعتقلين أربعة من أشقّاء الشهيد، هم كلٌّ من عبدالله، حسين، ياسر، وعمار المؤمن، بالإضافة إلى عبدالعليم حرم، زوج أخت الشهيد المؤمن، فضلا عن ثمانية من أصدقائهم.
اعتقالاتٌ لا تُعْرَف الأسبابُ الكامنة وراءها سوى أنها تندرج ضمن سياسات آل خليفة في استهداف السّكان الأصليين وترويعهم. ولذلك، اختار الخليفيون أن تتم الاعتقالات في جُنح الظلام، وبعد أن عبثت قوات المرتزقة بمحتويات المنازل المقتحمة، ومصادرة الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالمعتقلين، وهم من أصحاب الكفاءات والشهادات الجامعية العالية، وهو سبب آخر يراه النظامُ حافزاً ليصبّ عليهم جام حقده، توازياً مع الاستهداف الذي يلاحق كلّ البحرانيين.
تركت هذه الاعتقالات والدةً ثكلى، استشهد ابنها، واعتقل أربعة من أبنائها في سياسةٍ لا تختلف عن ملامح أية “إبادة جماعية” يمارسها الوحوش في هذا العالم، بعد أن تجد نفسها مهزومةً أمام شعب أصيل ونبيل، رغم إغراقه بأبشع أساليب القمع والتدمير. فوالد الشهيد لم يرفع راية الاستسلام، وظلّ وفياً لدم ابنه الشهيد، ولشهداء البحرين، وما تخلّى عن قضيّة هذا الشعب الذي حفرَ الصمودَ في السماء والأرض، وأعجزَ كلّ الطغاة.
عائلات المؤمن والسميع والسنكيس ومشيمع.. نموذج للعائلات البحرانية التي توزَّع أفرادها بين المعتقلات والمقابر في ظلّ حكم قبيلةٍ وضعت نصب أعينها محو سكان البحرين الأصليين واستبدالهم بالأغراب. سياسات لن تزيد البحرانيين إلا غضبا على هذه العائلة المتجرّدة من القيم الإنسانية والتي باعت نفسها لأسيادها من آل سعود والبريطانيين والأمريكيين من أجل الحفاظ على كرسي حكمها المهزوز الذي قرّر أهلُ أوال دفعه للسقوط، ومضحّين بالغالي والنفيس من أجل عزّتهم وكرامتهم التي لا يساويها أي ثمن.