استهداف جمعية (وعد): إلى أن يخلع إبراهيم شريف عباءة المعارضة
البحرين اليوم – (متابعات)
لم يكن الاعتداء الذي وقعَ مساء الأربعاء الماضي، الأول من مارس ٢٠١٧، على سيارات ضيوف جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)؛ (لم يكن) هو الأول من نوعه الذي يستهدف الجمعية المصنّفة ضمن التيار الوطني (العلماني) في البحرين، والتي تعدّ اليوم – بعد إغلاق جمعية (الوفاق) في يونيو من العام الماضي – الجمعية المعارضة الأكثر حضورا في المشهد السياسيّ المحلي، حيث يحرص قادتها على تسجيل الموقف من مختلف القضايا والأحداث الجارية في البلاد، وهو ما يفسّر استهداف الجمعية أكثر من مرة، وخاصة منذ اعتقال أمينها العام السابق، إبراهيم شريف، في مارس ٢٠١١م، والحكم عليه بالسجن ٥ سنوات بتهمة المشاركة في قيادة ثورة ١٤ فبراير. وقد أُعيد اعتقال شريف مرة أخرى بعد قضاء مدة محكوميته في العام ٢٠١٥م، وقضى سنة كاملة في السجن، وليُعاد استدعاؤه بعد ذلك عدة مرات على خلفية تصريحاته ومواقفه المعارضة.
قد تكفي هذه الديباجة لفهْم طبيعة “الجهة“ التي تقف وراء الاعتداء الذي طال سيارات الضيوف عند مقر الجمعية الرئيس في منطقة أم الحصم، جنوب العاصمة المنامة، وهي المنطقة التي كانت محط الأنظار في الشهرين الفائتين، بعد أن فرَض الخليفيون دفْن ٦ من الشهداء في إحدى المقابر القريبة منها، ورافقَ ذلك محاولة “يائسة“ للتأجيج المذهبي تولّاه أحد النوّاب الخليفيين الذي “رفض“ استقبال جثامين الشهداء، لكونهم “إرهابيين“، وهو ما يُفصح عن طبيعة الأجواء السّامة التي يراعاها خليفيون في هذه المنطقة السكنية وجوارها، التي تتميز بخليط مذهبي وعرقي وسياسي تحكّم الخليفيون بأكثر مداخله ومناطق التأثير فيه، بفعل قوة المال والإغراءات، إضافة إلى تأثير وسائل الإكراه والتهديد المختلفة. وقد اختبرت جمعية (وعد) درجات من هذا التحكّم، وفي أكثر من محطة، ومن ذلك فترة الانتخابات البرلمانية في العام ٢٠٠٦م، حينما ترشّح شريف في هذه المنطقة، ولكنه لم ينجح في إحراز أعلى الأصوات فيها. إلا أن الاختبار الأشد كان في أبريل العام ٢٠١١م، حينما أُغلق مقرّ الجمعية بالشمع الأحمر قبل أن تتعرّض للحرق في مارس ٢٠١١م، وتبعه في يونيو من العام نفسه إغلاق مقرّها في منطقة عراد (المحرق) بأمر من وزير البلديات الخليفي في حينه، جمعة الكعبي، بتهمة “مشاركة بعض أعضائها في مؤامرة قلب نظام الحكم”.
من غير كثير من الحساب والتنقيب؛ فلا شك أن السهام الموجَّهة إلى (وعد) هذه الأيام، هي مصوّبة إلى إبراهيم شريف شخصيّاً، والمطلوب من الأخير – بحسب لسان التهديدات – أن يكفّ عن القيام بدوره “الاستثنائي” بعد أن غاب أو غُيّب أغلب المعارضين السياسيين والنشطاء البارزين، في السجون أو المنفى أو في أماكن أخرى. وقد جاءت “السهام” هذه المرة على الأرض بعد استضافة الجمعية لحفلٍ وطني لا يبدو أنه يُعجب آل خليفة، حيث جرى إحياء الذكرى الثانية والخمسين لانتفاضة مارس، التي يرى ناشطون أنها تمثل تذكيراً بشراكة “القمع” التاريخية بين العائلة الخليفية والبريطانيين. ورأت قوى التيار الوطني الديمقراطي في بيان أصدرته أمس الخميس، ٢ مارس، بأن الاعتداء الذي وقعَ جاء “نتيجة للتحريض المستمر على القوى السياسية المعارضة” ومطالبتها “بدولة مدنية ديمقراطية”، وأكد البيان – الذي وقّعت عليه جمعيات التجمع القومي الديمقراطي، المنبر الديمقراطي التقدمي، و”وعد”) بأن الاعتداء يؤشر إلى أثر “الأقلام والأصوات التي لا تقبل وجود الرأي الآخر”، وتتهمه بـ”الخيانة والعمالة”.
إذن، من الناحية العملية، تركزت هذه الاتهامات على وجه الخصوص بسبب النشاط الدؤوب الذي ظهر به شريف، والذي حرص على تثبت معادلة جديدة من الحراك السياسي المعارض بعد أن ترك الأمانة العامة لجميعة (وعد)، وفضّل البقاء في صفوف كادرها القيادي. ويمكن سرد أهم المواقف المؤثرة لشريف في المحطات التالية:
١- حضر إبراهيم شريف مغتسل الشهيد عبدالله العجوز، الذي قُتل في بلدته نويدرات في فبراير الماضي، وعاين شريف رفقة قيادات الجمعية جسدَ الجسد وموقع الحادثة، وأعلن بعد ذلك عدمَ تصديقه للرواية الرسمية التي زعمت أن الشهيد ألقى بنفسه من أعلى المنزل، وتوفي نتيجة ذلك. هذا الموقف كرَّس الاحتفاء الخاص الذي أولاه شريف على نحو متواصل لشهداء البحرين، وحرْصه على حضور مجالس عزائهم، وعدم التردُّد في وصفهم بالشهداء وتعظيم مكانتهم في وقت تمنّع معارضون عن فعل ذلك، وهو موقف أزعج أوساطا موالية أكثر من مرة، ودفعها للتحريض على شريف وقيادات (وعد) التي رافقته في زياراته الميدانية.
٢- أعلن شريف رفضه العلني لتفعيل المحاكم العسكرية ضد المدنيين، وهو موقف أغاظ موالين بشكل مباشر، ودعت حسابات تابعة للمخابرات الخليفية بسبب ذلك (ومنها حساب المدعو “كاشفهم” على موقع تويتر) لمحاسبة شريف، وأطلقت هذه المواقع وسماً بعنوان #حاسبوا_ابراهيم_شريف ومثلُ ذلك إعلان شريف الاعتراض على عودة ما يٍُسمى جهاز الأمن الوطني لاستباحة المناطق بعد منحه الصلاحيات مجددا للاعتقال التعسفي ودون أذون قضائية. واعتبر موالون هذا الاعتراض “مواجهة” من شريف للحاكم حمد عيسى شخصيا، لأن هذه الإجراءات وغيرها جاءت بناءا على مراسيم وأوامر صادرة منه.
٣- قطعَ شريف الطريقَ أمام سلسلة جديدة من محاولات النظام الخليفي إثارة التأجيج المذهبي، وتحويل معاركه ضد المعارضة والمواطنين في مناطق الاحتجاج إلى “مسألة طائفية خاصة”. وبالمعاني الخاصة التي يحملها بوصفه “سنيا” و”ليبراليا”؛ عملَ شريف على زيارة المآتم الحسينية في موسم عاشوراء الماضي، والذي شهد تصعيداً خليفياً بمنع مراسم العزاء والاعتداء على الشعائر والشعارات الحسينية في مختلف مناطق البلاد. كما أكد شريف على إدانته لحصار الدراز، واستهداف آية الله الشيخ عيسى قاسم، واعتبر ذلك استهدافا للوطن وللحقوق الدينية الأساسية. وهو بذلك وجّه ضربة لخاصرة النظام الذي يوجه صراعه الحالي باتجاه الشيخ قاسم والمحيط المعنوي والديني الذي يرمز إليه.
٤- عبّر شريف عن وفائه لرفاق دربه من قادة الثورة المعتقلين، وأثنى مرارا عليهم وعلى صمودهم داخل السجون، وانتظار أمل الإفراج “المنتصر” لهم. كما شجب كلَّ الإجراءات والأحكام العقابية التي تصدر عن السلطات والمحاكم الخليفية، بما في ذلك سحب الجنسيات، وسجّل مواقف صريحة في إدانة هذه الإجراءات، وتأكيده بأن المواطنين المنفيين والمسحوبة جنسياتهم سيعودون إلى وطنهم، مهام طال الزمان، وسينالون حقهم الطبيعي في المواطنة والحياة الكريمة.
٥- انتقد شريف مباشرةً المسؤولين والوزراء الخليفيين في كل مواقفهم وتصريحاتهم تغريداتهم المخالفة للموقف الشعبي، وبينهم وزراء الخارجية والداخلية والعدل وغيرهم. وكان شريف حريصا على إظهار معارضته الملموسة لمواقف هؤلاء، وعدم المداراة أو استعمال أسلوب التورية، ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالمعارضة والمسّ بها وبأهدافها الوطنية، أو بالقضايا القومية الكبرى، مثل قضية فلسطين والتقارب مع الكيان الصهيوني.
٦- من خلفيته الاقتصادية، داومَ شريف على تشريح الوضع الاقتصادي في البلاد، ومعاينة الفساد المستشري في المؤسسات الرسمية، ووجّه اتهامات صريحة قال فيها بأن الفساد هيكليٌّ في الدولة، وأن هناك غيابا للشفافية وامتناعا مبرمجا عن محاسبة الفاسدين والمسؤولين عنه. وقد جهر شريف بمعارضته للرياضات التي يرعاها أبناء الحاكم الخليفي، حمد عيسى، بما فيها سباقات الفورملا واحد، وقال بأنها غير مفيدة للوطن وتجني الخسائر رغم الملايين التي تُصرف عليها.
- نماذج من التحريض المباشر على إبراهيم شريف