اختيار “النهايات الحزينة”: نادر عبد الإمام في مصيدة النظام
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: باقر المشهدي
كاتب مختص في شؤون البحرين والخليج
- الخيارات السياسية الكبرى القائمة لا تزال ترفض فكرة المساومة والقبول بالاستلام والتعاطي مع مؤسسات النظام السياسية.
- خيار المشاركة في انتخابات 2018 هو خيار المنتهي سياسيّاً، وهو خيار المتصالح مع القاتل قبل اعترافه بجنايته وجريمته.
- دعوى نقل الصراخ إلى قاعة البرلمان هو “حيلة نفسية” يحتال بها لصيد الأصوات المؤيدة أو تحييد بعض الأصوات المنكرة لتلك النهايات الحزينة.
بعد عدة عقود من النضال المتواصل اكتشف المناضل الفلسطيني غالب هسا أن القيادة الفلسطينية في منظمة (فتح)؛ اختارت واعيةً النهاية الحزينة على الضّد من إرادة الشعب الفلسطيني، رغم كلّ التضحيات الجسمية التي قدمها الفلسطينيون في نضالهم الطويل والشّاق من أجل استرجاع حقوقهم.
محنة الشعب البحراني تشابه محنة الشعب الفلسطيني في نواحٍ عدة، بدءاً من احتلال أرضهم، وكونهم أصحبوا غرباء فيها، مرورا بمصادرة هويتهم، ومنعهم من التعبير عن ذواتهم وهويتهم البحرانية وإجبارهم بشكل مباشر وغير مباشر على تقمّص هوية الغزاة، وانتهاءا بتكالب الدول الكبرى عليهم ومنع الدعم المناسب لهم.
أوجه الشبه هذه، تقودنا إلى التوقف كثيرا أمام الخيارات السياسية المتاحة لاستمرار النضال واستمرار بقاء القضية البحرانية حاضرة، وفي المقابل تفرض أيضا التوقف أمام ما يسميه غالب هسا باختيار “النهايات الحزينة”، وهي الخيارات التي تصطدم حتما مع إرادة الشعب البحراني وقضيته.
طبعا لست في وارد البحث عن سجالات قديمة حول الخيارات الكبرى (الملكية الدستورية/ إسقاط النظام) التي لا يجب أن تكون محل منازلة سياسية أو محل سجال “شعبوي”؛ لكونها خيارات راسخة سياسيا، ولها حواضنها الشعبية المختلفة. ولكن الحديث يتوجه إلى “الخروج عن النص”، في سياق أي خيار من تلك الخيارات الكبرى، وختْم مسيرة النضال فيها بنهايات حزينة تعكس الروح المتعبة، والجسد المنهار والقابل للاستباحة، فضلا عن كونها نهايات تمثل في نهاية المطاف استسلاما سياسيا واضحا، وتسليما بهيمنة الاستبداد وإمكانية التعايش معه والاندماج مع مؤسساته.
اختيار النهايات الحزينة، هي إجابة على سؤال دائما ما يُطرح في خضم أي نضال سياسي وهو: إلى أي حد ممكن قبول التضحيات مقابل تحقيق الأهداف؟ وهو سؤال مشروع بذاته وبتفاصيله، إلا أن الإجابة عليه ليست مفتوحة حتما، ولا يمكن مساواة الإجابات مع بعضها.
فإجابة نادر عبد الإمام، وهو أحد الذين صعدوا في المشهد السياسي منذ انفجاره في فبراير 2011م، لا يمكن الاستهانة بها ولا قبولها، حتى وإن عكست خياره الشخصي، لأنها وبكل بساطة إجابة انهزامية أولا، وثانيا فهي تقف ضد إرادة قضية الشعب البحراني، وثالثا لكونها تستثمر في الألم والمعاناة. معنى ذلك، أن خيار المشاركة في انتخابات 2018 هو خيار المنتهي سياسيا، وهو خيار المتصالح مع القاتل قبل اعترافه بجنايته وجريمته.
قد يجادل البعض في “أولا وثانيا”، ولكن سيكون مخادعا ودجّالا إنْ شكك أحد في “ثالثا”، على اعتبار أن الخيارات السياسية الكبرى القائمة لا تزال ترفض فكرة المساومة والقبول بالاستلام والتعاطي مع مؤسسات النظام السياسية.
وبالتالي، فإن تمثُّل معاناة الناس والإدعاء بحملها ومحاولة حلّها أو التقليل منها داخل أروقة النظام ومؤسساته؛ هو محاولة خداع لصرف الأنظار عن التعب والإنهزام، وهو خروج واضح على النص السّياسي السائد. فالجميع يعرف تماما عجز مؤسسة البرلمان عن تقديم أقل القليل، فضلا عن القليل نفسه. أما دعوى نقل الصراخ إلى قاعة البرلمان؛ فهو حيلة نفسية يُحتال بها لصيد الأصوات المؤيدة، أو تحييد بعض الأصوات المنكرة لتلك النهايات الحزينة.
موقف نادر عبد الإمام قد يكون مكشوفا وعاريا بقدر انكشاف البناء الشخصي لنادر نفسه، وبقدر ما يمثل موقفه إجابة على سؤال “كلفة التضحية”؛ فإن هناك إجابات لا تزال مستترة ومخفية، لكنها تعكس النهايات الحزينة نفسها.
سيكون مؤسفا للخيارات الكبرى أن تفقد بعض الأفراد، أو أن تنتهي مسيرتهم السياسية بنهايات حزينة كنهاية نادر عبد الامام وغيره. ولكن تجارب النضال التاريخية تكاد تتشابه مع بعضها، وتكاد تنتهي بالمقولة نفسها، وهي أن الذي يتوقف هو “القطيع عندما يموت قائده”، أما الشعب المناضل فلا يتوقف عند خسارة بعض الأفراد. فالشيء الذي يجب على ممثلي خيارات النهايات الحزينة تذكُّره دائما؛ هو أن هذه النهايات ليست جديدة على المشهد السياسي البحراني، ولن تكون هي الأخيرة حتما، وبالتالي فإن تداعيات تبنّيها لن تكون مختلفة عن تداعيات من سبقوهم أيضا.