احتلال أوكرانيا يفضح نفاق المجتمع الدولي
البحرين اليوم – متابعات ..
كشف التعاطي الغربي مع الأزمة الأوكرانية نفاق المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات وفقا للمصالح والموقع الجغرافي، ولربما لأسباب عنصرية ثقافية أيضا. فقد سبقت الحرب الروسية في أوكرانيا التي انطلقت في 24 فبراير الماضي، سبقتها تحذيرات شديدة من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة، من مغبة اقدام موسكو على احتلال أوكرانيا. كما صاحبها عناد في تقديم ضمانات أمنية لروسيا، بما يؤدي إلى نزع فتيل الأزمة وتجنيب العالم حربا جديدة هو في غنى عنها، خاصة والعالم لايزال في مرحلة التعافي مما سببته جائحة كورونا.
لم يعط حلف شمال الأطلسي آذانا صاغية لموسكو التي ما انفكت تطالب بضمانات، ولم يترك للرئيس فلاديمير بوتين من خيار سوى الوقوع في هذا الفخ الذي كلف بلاده غاليا، بعد فرض عقوبات واسعة النطاق ستكون لها تأثيرات مدمرة على اقتصادها بحسب مختصين، خاصة بعد أن فصلت معظم بنوكها من نظام سويفت العالمي للتحويلات المالية.
بعد بدء الحرب تداعى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو لإدانة الاحتلال والمطالبة بإنهاءه. بدأت وسائل الإعلام بالحديث عن جرائم حرب ترتكبها القوات الروسية في أوكرانيا حتى وصف الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الروسي بمجرم حرب.
وكان اللافت فتح الحدود الأوروبية أمام اللاجئين الأوكران صاحبها حديث عن كونهم متحضرين ويشتركون مع أوروبا ثقافيا، بل تمت مقارنتهم في بعض وسائل الإعلام باللاجئين العراقيين والأفغان باعتبارهم “أعلى” شأنا منهم، رغم أنهم يشتركون معهم بالإنسانية فضلا عن كونهم ضحايا الحروب التي يشنها ذات العالم الذي يدين الاحتلال الروسي بشدة قل نظيرها في التاريخ الحديث.
أول تلك الحروب هي تلك المتواصلة على اليمن منذ سبع سنوات وقد دخلت عامها الثامن على التوالي هذه الأيام، دون أن يرف جفن للعالم فيتحرك لوقفها أو إدانة المحتل السعودي الإماراتي. خلفت تلك الحرب مئات آلاف الضحايا وأدخلت اليمن في أزمة إنسانية عدتها الأمم المتحدة بالأسوأ في التاريخ الحديث. تشارك فيها الولايات المتحدة سواء استخباراتيا ولوجستيا أو عبر مبيعات الأسلحة. تقطعت أوصال اليمن ووقع شعبه تحت المجاعة وانتشرت الأوبئة ودمرت البنى التحتية.
لم تتحرك واشنطن لحمل حلفاءها على وقف تلك الحرب، بل إنها حولتها إلى بقرة حلوب عبر مبيعات الأسلحة التي تجاوزت مئات مليارات الدولارات، أما في الحرب الدائرة في أوكرانيا فإنها تزود كييف بأسلحة مجانية للوقوف بوجه “الدب” الروسي.
يتحدث العالم الغربي عن أن الهجوم الروسي يقوض الديمقراطية في أوكرانيا التي تدير أمورها حكومة ولدت من رحم انتخابات شرعية، لكنه في ذات الوقت يغض الطرف عن احتلال آخر مضى عليه 11 عاما، هو الاحتلال السعودي الإماراتي للبحرين. دخلت المدرعات السعودية البحرين في مارس 2011 بهدف قمع الثورة الشعبية الذي اندلعت في البلاد في فبراير من ذلك العام.
أعقب ذلك الاحتلال موجة من القتل والقمع الوحشي وهدم للمساجد، ولازالت تلك الموجة مستمرة في البحرين بسبب هذا الاحتلال. لكن لم يفرض أحد عقوبات على السعودية والإمارات ولم تطالبهما بسحب قواتهما من البحرين، بل على العكس من ذلك وثقت واشنطن وحلفاؤها علاقاتها معهما ومع النظام الدكتاتوري القمعي الحاكم في البحرين.
لم نسمح وصفا لمحمد بن سلمان بمجرم حرب ولا حمد الخليفة بالدكتاتور ولا يدعى للإطاحة بهما والتمرد عليهما كما يفعل مع بوتين!
بالانتقال إلى أفغانستان التي احتلتها الولايات المتحدة لعقدين من الزمن والعراق الذي لاتزال القوات الأميركية تتواجد فيه بعد أن أقرت واشنطن بأن دخولها لبغداد كان احتلالا. كانت التداعيات في كلتا الدولتين كارثية مئات آلاف القتلى وتشريد مئات آلاف آخرين، وترك البلدين يغرقان في أزمات لا أول لها ولا آخر تارة تحت شعار مكافحة الإرهاب وتارة تحت يافطة إحلال الديمقراطية.
احتلال ليبيا كذلك ليس ببعيد هو الآخر، فمنذ عمليات الناتو في هذا البلد عام 2011 ولايزال غارقا في التقسيم والحروب وغياب الاستقرار.
كشفت الحرب في أوكرانيا نفاق المجتمع الدولي وسياسة الكيل بمكيالين، فالمعايير التي يعتمدها بعيدة عن القيم الإنسانية والديمقراطية بل هي في قلب المصالح الاقتصادية وفي البقاء بالصدارة في قيادة العالم وتحجيم الدول المنافسة له على هذا الصعيد وأبرزها الصين وروسيا. فهذه الحرب توفر فرصة ذهبية للعالم الغربي للنيل من موسكو وإعاقة تطورها العسكري وتقليص نفوذها الذي بدأ في التنامي عالميا وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بوتيرة غير مسبوقة منذ عهد الاتحاد السوفيتي.