اتفاق “5+2” أم “5+1+ مراقب”؟
البحرين اليوم – مقالات
بقلم: ساهر عريبي – كاتب وإعلامي
أحدثت خسارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في شهر نوفمبر من العام الفائت، أحدثت هزة في دول المنطقة وخاصة في السعودية والإمارات والبحرين التي فقدت حليفا وداعما لا يعوّض، وقف معها حتى في خضم الأزمة مع قطر بالرغم من أن الدوحة حليفة لواشنطن.
صدمة استغرقت هذه الدول وقتا لاستيعابها حتى أيقنت مؤخرا بان ترمب راحل لا محالة من البيت الأبيض، وأن الرئيس المقبل لا يحمل ودا لهذه الدول بسبب موقفه من أوضاع حقوق الإنسان، التي اعتاد الديمقراطيون على انتقادها، سواء عبر وزارة الخارجية أو مجلس حقوق الإنسان الذي أعلن ترمب انسحاب بلاده منه.
لكن أشد ما يقلق تلك الدول هو إعلان الرئيس المنتخب جو بايدن عزمه العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب في العام 2018 بعد مرور ثلاث سنوات على توقيعه. فالعودة إلى الاتفاق تعني رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران والإفراج عن اموالها المجمدة في دول عدة بسبب العقوبات الأميركية أحادية الجانب على إيران، وهي تعني عودة إيران لتصدير نفطها، واستئناف تعاملاتها التجارية، والنتيجة عودة إيران بكل قوة إلى الساحة الإقليمية التي لم تضعف فيها كثيرا بالرغم من العقوبات.
لكل ذلك يمكن تفسير تنازل السعودية عن شروطها الثلاثة عشر التي فرضتها على قطر مقابل رفع الحصار وتجاوزها لحليفيتها البحرين والإمارات التي لم يحضر زعيميها قمة العلا، التي تمخضت عن بيان عبّد الطريق أمام مصالحة شاملة مع قطر التي خرجت منتصرة من هذه الأزمة. وأما الهدف فهو إعادة الاعتبار لمجلس التعاون الخليجي الذي أوشك على التفكك، استعدادا لمرحلة مابعد ترمب.
نجحت السعودية وبجهود بذلها جاريد كوشنر كبير مستشاري ترمب في لملمة مجلس التعاون الخليجي الذي واجه طوال الـ 42 شهرا الماضية أكبر تحدّ منذ ولداته قبل أربعة عقود. هذه اللملمة في غاية الأهمية كي يكون للمجلس كلمة بشأن أي إعادة تفاوض حول برنامج إيران النووي، تعتزم إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن بدءها عقب جلوسه في المكتب البيضاوي يوم كما هو مقرّر في الـ 20 من الشهر الجاري .
فالسعودية ليس بوسعها المطالبة بإشراكها في أي مفاوضات محتملة بين الدول الكبرى وإيران، كما وأنها غير قادرة على تسويق فكرة مشاركة مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات، وهو الذي يعتريه الانقسام ويعاني أحد أعضائه من حصار فرضه عليه بعض اشقائه في المجلس! ومع خشية السعودية من المستقبل في حال عودة بايدن للاتفاق النووي فكان لابد من إجراء المصالحة الخليجية، تعبد الطريق أمام المجلس للمطالبة بإشراكه في أي مفاوضات مستقبلية حول البرنامج النووي الإيراني.
قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الطلب سيواجه بالرفض من قبل الدول الكبرى أي روسيا والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا بالإضافة إلى ألمانيا. إلا أن التصعيد الذي حصل مؤخرا من جانب إيران وخاصة فيما يتعلق بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% وبما يخالف الاتفاق النووي الذي نص على ألا تزيد نسبة التخصيب عن 3.67٪ من ناحية، وإعلان فريق بايدن عزمه التفاوض بشأن برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي من ناحية أخرى، يغري دول مجلس التعاون بتقديم طلب للاشتراك في أي مفاوضات مقبلة.
وبرغم هذه التطورات فإن الأمر سيظل مرهونا بيد الدول الطرف في الاتفاق وأولها إيران، فمن المتوقع أن ترفض إيران إشراك مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات مع الأخذ بعين الاعتبار أنها أعلنت رفضها إعادة التفاوض حول برنامجها النووي. غير ان العقوبات الاقتصادية المؤلمة ستدفعها إلى إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي وحتى تقديم تنازلات محدودة فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي، وستستخدم ورقة التخصيب لكبح سقف المطالب الجديدة.
وأما الدول الست الأخرى فلاشك إن أربعة منها لن تعارض إشراك مجلس التعاون في أي مفاوضات مرتقبة بحكم علاقاتها العسكرية والاقتصادية والسياسية الوثيقة بدول مجلس التعاون، لكن الموقف الروسي والصيني لن يعطي شيكا على بياض للمجلس بل ستخضع موافقتهما لحسابات اقتصادية ولربما إعادة تشكيل النفوذ في المنطقة. ومن المتوقع ان يستجيب المجلس للطلبات الروسية والصينية بهذا الشأن.
وفي كل الأحوال فليس من المتوقع أن يشارك مجلس التعاون الخليجي في أي مفاوضات مستقبلية كعضو أساس نظرا لأنها مقتصرة على الدول النووية الكبرى وعلى ألمانيا التي تمثل الاتحاد الأوروبي، وكذلك معارضة إيران، لكن الباب سيكون مفتوحا على مصراعيه أمام مجلس التعاون للمشاركة كعضو مراقب سيكون له رأي مسموع في أروقة المفاوضات على الأقل فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني في المنطقة.