“إعلان المباديء” تحت المجهر.. وبهدوء
البحرين اليوم – (خاص)
بقلم: عيسى السندي
كاتب من البحرين
لم يتطلب الإعلان السياسي الأخير الذي يحمل عنوان “إعلان المباديء”؛ جهدا كبيرا لاكتشاف ثغراته ومعايبه، بل وكارثية بعض بنوده بحسب رأيي. إن طريقة كتابته والخلفيات التي انطلق منها، وطريقة إخراجه؛ من الطبيعي أن تنتج هذا الكم الهائل من التناقض والهفوات، والتي سنتناول جانباً منها من باب النقاش السياسي ومحاولة التكاشف الإيجابي والنقد البنّاء.
أي مشتركات؟ ومع من؟
يقول الإعلان أنه عبارة عن “مبادئ وقيم إنسانية”، وأنها تمثل “أرضية مشتركة”، وتنطلق منها عملية “سياسية جامعة”. إلا أن فحص مفردات الإعلان لا ينطوي، فعلا، على أية مفردات خطابية تمثل قاسماً مشتركا، لا مع النظام الخليفي في البحرين- الذي لا يعترف بشيء من مضامينه أصلا – ولا مع الجسم العريض من قوى المعارضة الأخرى التي لم تكن على علم مسبق بهذا الإعلان، ولم يتم الحديث مع قياداتها بشأنه أو أخذ رأيها فيه. ولذلك، لا يدري المرء، حقا، حقيقة “الأرضية المشتركة” التي يستند عليها الإعلان، وكيف يمكن أن يكون قاعدةً لـ”عملية سياسية جامعة”!
الشعب مصدر السلطات جميعا
لحسن الحظ؛ لم تغب مفردة “المملكة الدستورية على غرار الممالك العريقة” عن هذا الإعلان، لكي يمكن – ولو في الحد الأدنى – إلزام ناشري الإعلان بما ألزموا به أنفسهم. إلا أن معدّي الإعلان وقعوا فيما يبدو في اشتباه مفهومي كبير، وأرجو ألا يكونوا مدركين له سلفاً، وقصدُوا لأجل “المصلحة” الغفلة المقصودة عنه. وأعني بالاشتباه ما تضمنه البند الأول الذي يقول: “الشعب مصدر السلطات جميعا بشكل صريح وواضح”، إلا أن الإعلان يخرج على مفهوم “سيادة الشعب المطلقة” من خلال مفردة أخرى وهي “العقد الاجتماعي”، وهي تعني في الفقه الدستوري التوافق بين السلطة والمواطنين في صياغة الدستور والقوانين وإدارة البلاد، وهنا لا معنى لحصر مصدرية السلطة بالناس، فالناس –حسب الإعلان- يجب أن يتوافقوا مع السلطة الخليفية حول حجم صلاحياتهم وأدوارهم.
إعلان يتبع وثيقة، ماذا بعد؟
في أكثر من جانب، مثّل الإعلان نكوصا عن “وثيقة المنامة” – أتحدث هنا على قاعدة إلزام معدّي الإعلان بما يؤمنون به- فهم أو جزء أساسي منهم منْ كتبوا الوثيقة المذكورة، والتي يظهر أنها أصبحت جزءا من الماضي، حيث لم يطالب الإعلان بانتخاب الحكومة كما طالبت بذلك “وثيقة المنامة”، وأقصى حد ذهب له الإعلان هو مطالبته في البند العاشر بإجراء انتخابات نيابية نزيهة. ولكن ثمّة أمرا آخر على درجة أخرى من الأهمية، حيث اختفى الحديث عن دستور ٢٠٠٢ غير الشرعي، وأصبح – حسب الظاهر – من المسلمات السياسية “الاضطرارية – عند ناشرى الإعلان. وهذا الاختفاء والغياب؛ يجعل البعض يهجس من خشية الاستمرار في هذا النمط من التعاطي مع الشأن السياسي، وعلى قاعدة الإسراع في تجاوز حدث ١٤ فبراير واستحقاقاته، وهو ما يدفع البعض الآخر أيضا ليسأل: هل سنرى لاحقاً وثيقة أو إعلانا آخر وبسقف أدنى؟ هذه مخاوف ينبغي أن تكون محل تفهّم واستيعاب معدّي الإعلان.
محل ثورة ١٤ فبراير من الإعراب!
محتوى الإعلان أغفل بشكل كامل أحداث ثورة ١٤ فبراير، فلم يتطرق لها من قريب أو بعيد، كما لم يتناول السّبل المناسبة لمعالجة آثار الثورة وتداعياتها، من قبيل ضرورة إنصاف الضحايا والقصاص من القتلة. فالإعلان، في محتواه النهائي، يقول للسلطة: “لنرجع للمربع الأول”، أي قبل ١٤ فبراير ٢٠١١م، وهو رجوع يحتمل، بقوة، أن يكون مصحوباً بتراجعات متتالية وبسقوف أقل من ذلك.
إني أخشى أن يقرأ النظام الخليفي الإعلانَ قراءة مليئة بالاستهجان، ويظن أنها تقول – ضمنا – أن قسما من المعارضة “استوعب” دروس السجن والتعذيب والتهجير، وأنْ لا أصوات عالية بعد الآن في المطالبة بما يُزعج “جلالته القابع على عرش المملكة الدستورية العريقة”! وأكثر من ذلك، فإنّ أكثر ما أخشاه أن يقفز من هنا أو هناك منْ يجرّ هذا الإعلان ليكون في دائرة الاصطفاف مع النظام لملاحقة “المتطرفين من أبناء الشعب”، وأن الوقت قد حان لإزاحتهم، يدا بيد!