في البحرين: أمُّ تعيل بناتها الخمس وزوجها المعتقل
من المنامة – البحرين اليوم:
خطف الخليفيون زوجها في عتمة إحدى الليالي واقتادوه إلى المعتقل، وتركوها وحيدة تتحمل مسؤولية تربية وإعالة خمسة أطفال، أكبرهم حوراء، الطالبة في مرحلة السادس الإبتدائي، وأصغرهم التوأم خديجة وأميرة. إنها زوجة المعتقل سيد صادق سيد طاهر، من منطقة سترة (الخارجية).
بعد منتصف الليل بقليل من يوم ٢١ أبريل عام ٢٠١١ هجم خفافيش الظلام الخليفيين على منزل أهل الزوجة الذي كانت تتواجد فيه حينها. في غرفة النوم، وجدت الزّوجة نفسها أمام حفنة من الملثمين، ممّن لا يرتدون ملابس الشرطة. كسروا باب الغرفة، واقتادوا زوجها إلى المعتقل.
لم يكتفِ مرتزقة الخليفيين، الذين جرّدوا أنفسهم من قيم الشرف والإنسانية، بالهجوم امرأة في مخدعها، واعتقال زوجها، بل دخلوا على أمها، يبحثون عن ابنها جعفر. أخذوا والد الزوجة، وضربوا إخوتها، وأمروهم بتسليم أخيهم، الذي أضطر لتسليم نفسه لاحقاً. سجنوه أربعة شهور، وهو الطالب في الثانوية العامة، وبعد أن أفرج عنه، عمِدوا إلى مصادرة بطاقته الشخصيّة وجواز سفره، إمعاناً في العقاب والمضايقة.
في ليلة الاعتقال، أخذوا مفاتيح سيارة سيد صادق، وسيارة زوجته، وصادروا أجهزة هواتفهم الجوالة. وفي اليوم التالي، وعند ذهاب الزوجة إلى منزلها؛ فوجئت بأنّ محتويات المنزل كانت محطمة، بعد أن عبث بها مرتزقة الخليفيين، الذين أحرقوا ملابس بناتها الخضراء، التي اعتدن على لبسها في شهر محرم الحرام، وذلك في ظلّ الاستعار الطائفي الذي توقّد آنذاك لدى الخليفيين، والذين لم يتوقّفوا عن إظهار شديدِ حقدهم على الشعائر الحسينية، وعلى أتباع أهل البيت عليهم السلام.
وأما الزوج، فقد اتصل بأم حوراء مساءا، وكان في حالٍ بالغةٍ من “الهلوسة”، بسبب شدة التعذيب الذي تعرض له في مبنى التحقيقات. وبعد نقله إلى سجن الحوض الجاف؛ تلقت الزوجة اتصالا واحدا منه، وذلك خلال أسبوعين، حيث طلب إرسال ملابس، إلا أن إدارة السجن رفضت تسلّمها.
لم تتمكن العائلة من زيارة سيد صادق، إلا بعد مرور شهرين على اعتقاله. وفي شهر أغسطس، أصدرت المحاكم الخليفية حكما عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، وأما التهم فهي، كما هي العادة: التجمهر، والتحريض على كراهية النظام، والشروع بالقتل.
السلطات غيّرت من طريقة تعاملها مع السجناء مع بدء لجنة (محمود شريف) بسيوني تحقيقاتها، حيث لمست أم حوراء ذلك، حيث سمحوا لها بزيارة زوجها والإتصال به بشكل منتظم، وتزويده بالملابس، وبعد انتهاء أعمال اللجنة، عادت الأمور لوضعها الطبيعي، حيث الإنتهاكات الواسعة لحقوق السجناء.
معاناة سيد صادق في سجن جو كانت مضاعفة، فهو مصاب بمرض الصرع، وبحاجة لأخذ دوائه، غير أن السلطات تماطل، دوماً، في تزويده بالدواء. وحين عرضته على طبيب مختص؛ كان الأخير يستهزيء به، ويصرخ عليه، ويطلق عليه نعوتا سيئة. وبعد مدة من الزمن؛ سمحت السلطات له بتناول الدواء.
أوضاع السجناء في سجن جو المركزي تبعث على الأسى، كما تقول التقارير، حيث العنابر مكتظة بهم، ولا توجد فسحة للحركة، إلا بالدوس على بعضهم الآخر. والمعاملة غير إنسانية، وعادة ما تهجم القوات على السجناء مصحوبين بكلابهم البشرية والبوليسية.
القوات الخليفية، وبعلم إدارة السجن والسلطات الخليفية، يمنعون السجناء من الصلاة، ومن أداء الزيارات والطقوس الدينية. وأمّا الاتصال بعوائل السجناء، فهو محدّد بمرة أو مرتين في الأسبوع، ولمدة عشر دقائق. وعلى السجناء الانتظار في طوابير طويلة، ولمدة عدة ساعات، و”صاحب الحظ” منْ يتمكن بالإتصال بعائلته قبل انتهاء وقت المكالمات.وأما الزيارات العائلية، فإنّ السجناء لا ينالون على زيارة واحدة في الشهر. وقد تقدمت العائلة بطلب لزيارة السيد صادق في شهر ديسمبر المقبل، وقد رُفض طلبها.
بنات سيد صادق الخمس في أشد الشوق لرؤية أبيهم، بالرغم من أن ابنتيه التوأم، خديجة وأميرة، كانتا رضيعتين عند اعتقاله، ولا تتذكرانه. الرضيعتان، وفي أول زيارة لأبيهما بعد اعتقاله؛ كانتا تصرخان خوفا عند محاولته ضمّهما لصدره، إلا أنهما اعتادتا عليه فيما بعد، وتنتظران موعد زيارته بفارغ الصبر اليوم.
السجن ترك آثارا كبيرة على بناته، فإحداهما أُصيبت بحالة من الإكتئاب والإنطواء، وهي ترى أقرانها بصحبة آبائهم، فيما حُرمت هي من رعاية وحنان الأبوة. وأما الأخرى، فقد انعكس غياب الوالد على تصرفاتها، إذ أضحت عصبية، وسريعة الغضب. وأما الأخرى، فقد ورثت عن أبيها مرض الصرع. وفي ظل هذا الوضع؛ فإن أم حوراء، تكافح من أجل إعالة وتربية أطفالها، وهي تفخر اليوم بأن ابنتها البكر حوراء متفوقة في دراستها، رغم كل تلك الظروف.
غير أن الحمل الملقى على عاتقها كبير، فهي ليست مسؤولة اليوم عن إعالة بناتها فحسب، بل عن إعالة زوجها أيضا. فعليها تلبية احتياجات زوجها من طعام وملابس داخل السجن، والتي تكلفها ١٠٠ دينار شهريا. ومع التزامها بتسديد قرض خاص، فإن وضعها المادي أصبح حرجا. وقد أضطرت لمراجعة الدوائر الرسمية للحصول على راتب تقاعدي لزوجها بعد سنوات من الخدمة، غير أنهم اشترطو عليها أن تحصل على توقيعه، وهو أمر لم تتمكّن من الحصول عليه، رغم مرور قرابة العامين.
معاناة لا توصف، إذن، لأمٍ، وزوج بعيد عن أطفاله المحرومين من حنان الأب. إنها “مملكة آل خليفة” التي تحوّلت – بنظر البحرانيين – إلى جحيم لأبناء البلد الأصليين، وجنة للغزاة والأغراب والمجنسين.