البحرين اليوم – (خاص)
حسين كاظم
كاتب من البحرين
منذ تدشين مرحلة الميثاق في 2001، لم تتكرر مفردة “جماعة إرهابية” في خطاب السلطة إلا بدءً من العام 2013، حين أعلنت إحدى المجموعات تبنيها لنهج راديكالي في تعاطيها مع الثورة التي انطلقت في فبراير 2011، مع إصرار المعارضة الرسمية على نهج أسلوب سياسي معين يقوم على “السلمية”، لذلك أطلق بعض المعارضين مفردة “جماعة متطرفة” على نفس المجموعة التي سميت من قبل السلطة بـ “المجموعة الإرهابية”، وتزامن إطلاق المفردتين في نفس العام، أي عام 2013.
ورغم أن الشارع الشعبي لم يصدق أن ثمة جماعة تتبنى نهجاً غير سلمي، وادعى البعض أن البيانات الصادرة باسم تلك المجموعة، ما هي إلا بيانات تابعة لجهاز المخابرات الخليفي، ألا أن تلك المجموعة استمرت في إطلاق البيانات التي تتوعد حيناً وتتبنى بعض العلميات حيناً آخر.
وبقطع النظر عن الموقف الذي يمكن التعبير عنه إزاء تلك المجموعة/ الجماعة وما تنتهجه، فإن السؤال الملح: لماذا ظهرت ونشأت وثبتت على نهجها؟
في فبراير 2011، حين نزل الناس إلى دوار اللؤلؤة معتصمين، اختارت جميع الأطراف مبدأ “السلمية”، وتعاملوا في كل يوميات الدوار بشيء من الحنكة التي يمكن أن يسجلها المتابع، وكان مهندسا العصيان المدني (الحقوقي الكبير عبدالهادي الخواجة والدكتور عبدالجليل السنقيس) يوجهان ذلك العصيان بشكل احترافي، ويخلق قناعة بأن لا حاجة لتغيير السلمية ما دامت هذه الخطوات “المعترف بها دوليا” ستوجع النظام.
حتى بعد قمع الدوار بشكل عنيف ومتوحش من قبل السلطة في السابع عشر من فبراير 2011، لم يغير الناس نهجهم، كان هناك شعور بأن المعارضة ستشغّل كل طاقتها في تحفيز الأطراف الدولية للتدخل، كان ذلك حاضراً في ذاكرة البحرانيين، ولم تتوان المعارضة عن هذا الدور، لكن لم يوقف ذلك ضربة الدوار الثانية في مارس من نفس العام، وكان التدخل السعودي هذه المرة يشكل منعطفاً خطيراً في علاقة الناس بالسلطة، بعد ذلك جددت المعارضة تمسكها بالسلمية، وركزت على العمل القانوني، وكان لخطاب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في الأمم المتحدة عن هدم المساجد في البحرين في مايو من نفس عام الثورة، دعماً واضحاً لتوجهات التمسك بالسلمية، ورغم أن هناك تململا عند بعض الجماعات، ألا أن ذلك لم يخرج الحراك الشعبي عن الإطار السلمي.
كان اللوم يقع بشكل مركز على أمريكا وبريطانيا كونهما يمثلان ثقلاً سياسيا وعسكريا وتاريخيا في المنطقة، لكن لم يصدر من الأمريكيين والبريطانيين غير القلق والبيانات.
وبعد أقل من شهرين من خطاب أوباما، وتحديدا في 29 يونيو 2011، شكلت السلطات الخليفية ما عرفت بلجنة تقصي الحقائق برئاسة الراحل البرفيسور محمد شريف بسيوني، وساد اعتقاد عند بعض النخب أن هذه اللجنة جاءت عن ضغط دولي، وبالتالي فإن مخرجاتها ستكون واضحة، وستقيد يد السلطة عن البطش مجددا، لكن الذي حصل أن عدد الشهداء زاد والقمع ارتفع ووتيرة مداهمة البيوت تكثرت، على رغم وجاهة التقرير الذي قدمه بسيوني في أواخر نوفمبر2011.
بعد كل تلك الأحداث، ساد جدل واسع أوساط المعارضة والناس، عن الأفق السياسي، وخاطب بعض المعارضين الإدارة الأمريكية برسم دورها السياسي في المنطقة، ومسؤوليتها عن حفظ حقوق الإنسان، وكل ذلك لم يجدِ نفعاً ولم يؤدِ لطريق واضح.
وإذا جاز تسمية عام 2012 بتسمية ما، فإنه وبامتياز عام الجدل، الذي يزداد مع كل قهر ودم ونزف يتأتى من آلة القمع الرسمية، مع هذا الجو ومع عدم تحمل أمريكا وبريطانيا مسؤولياتهما المدعاة تجاه الشعوب، كان من الطبيعي أن يكون عام 2013 عاماً مختلفاً، لكن لم يكن واضحا، لأن الجماعات (التي تسميها السلطة إرهابية وتسميها المعارضة متطرفة وتسمي نفسها مقاومة) في بدايات الطريق، وكان الناس يشككون فيها وفي منشأها.
بعد أن تأكد أن ثمة أطرافا تتبنى ذاك التوجه، وبعد سنوات من استمرارها، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية اسم السيد مرتضى السندي على لائحة الإرهاب، خصوصا وأنه من أبرز الوجوه التي أعلنت النهج المختلف والمخالف للنهج السائد.
أمريكا وبريطانيا وفقدان العصيان المدني كما جذّره عبدالهادي الخواجة وعبدالجليل السنقيس دفعا تلك الجماعات إلى الاعتقاد بصحة طريقهم، وبدل أن تحتوي الأطراف وخصوصا الكبار تلك الشبيبة “وتروض نار انتقامهم من الوضع القائم”، مثل خطاب المعارضة التصادمي مع تلك الجماعات، حالة تحفيزية لها على الاستمرار، إلى أن أغلقت الجمعيات السياسية ما بين 2016-2017، واقيم على الشيخ عيسى قاسم (أكبر مرجعية شيعية) إقامة جبرية، وعمليا جُمّد عمله السياسي، فكانت هذه الجماعات أكثر قناعة من أي يوم مضى في نهجهم، وليس هذا هو المهم، المهم أن القطار الذي كان من الممكن أن يأخذ بيدهم “ويروض سلوكهم ويغير نهجهم”، قد فات ولا يمكن رجوعه لنفس المحطة، وبالتالي فإن هذه الجماعات صارت خارج السيطرة وخارج التأثير الرمزي للحالة القيادية التقليدية.