من قصص المعاناة: أبٌ يسلِّم فلذة كبده للمرتزقة حفاظا على شرف عائلته
شاب يافع لايتجاوز عمره ١٧ ربيعا، كان يجلس على مقاعد الدراسة، وكله أمل في أن يُكمل دراسته الجامعية، غير أنه لم يلبث أن وجد نفسه حبيسا وراء القضبان في مايو من العام ٢٠١١.
إذ شنت السلطات الخليفية حملة قمعية شعواء بعد اندلاع الحراك الثوري في فبراير من ذلك العام، مستعينة بالجيش السعودي، لتبدأ فترة جديدة، كان من أهم سماتها القتل وهدم المساجد والإعتقالات التعسفية.
كان سعيد عبدالنبي أحد ضحاياه. فقد طوقت قوات المرتزقة منزل العائلة في ٢٧ مايو ٢٠١١ واقتحمت الدار الواقعة في منطقة الصالحية. سعيد وجد مخبأً له في أحد زوايا الدار بانتظار إشارة من والده ليخرج منه بعد ذهابهم.
وعندما تلقى الإذن من والده بالخروج كانت صدمته كبيرة عندما رأى المرتزقة يملأون البيت ليلقوا القبض عليه، ويُساق الى السجن. الوالد لم يغدر بولده ولم يسلم فلذة كبده للظالمين طوعا، ولكنه ضحى بابنه من أجل شرف عائلته.
فقلد هدَّد المرتزقة بالإعتداء على شرف زوجته وابنته إن لم يسلم لهم الولد. ومع علمه بأن هؤلاء لن يتورعوا عن فعل ذلك، فقد أمر ابنه بالخروج ليتلقفه الجلاوزة، وليلقوا به في غياهب السجون.
وكالة أنباء (البحرين اليوم) أجرت لقاءا مع اخت المعتقل سعيد، وحدثتنا عنه، وعن الفراغ الذي تركه في البيت، وعن الحزن الذي أصاب والدته بعد سجنه.
سعيد كان الفرد الأصغر في العائلة الذي يتواجد في البيت دوما، ويؤدي دورا مساعدا.
لم يتردد في أن يحمل عبئاً ثقيلا على كاهله، ولذلك ترك اعتقاله فراغا كبيرا في البيت، خاصة وأن والدته كانت مصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم والسكري.
وتروي لنا اخته أن سعيد أُودع في مركز التحقيقات لمدة اسبوعين، قبل أن تسمح السلطات للعائلة بمقابلته في سجن جو، حيث صدر عليه لاحقا حكم بالسجن لمدة ٧ سنوات، وجرى تخفيضه إلى ٣ سنوات بعد الإستئناف، وأما التهمة فهي أعمال”إرهابية”! فالسلطات توصف كلّ احتجاج، وتجمّع، وتعبير عن الرأي؛ بأنه إرهاب.
والدته المريضة كانت تذهب لرؤيته عند كل موعد زيارة، بالرغم من تعبها، وتدهور وضعها الصحي. كلها أمل في أن تراه حرا طليقا خارج جدران السجن، ليعود الى مقاعد الدراسة. إلا أن المنية وافتها قبل ان تتكحل عيناها برؤيته حرا في ٢٧ من شهر مايو المقبل.
وعن وقع خبر رحيل والدته على سعيد، تقول أخته بأنه”أصيب بصدمة”، إلا أنه معروف بصبره وتحمّله. وما مكنه من استيعاب خبر وفاة والدته، هو أنه رأى في منامه قبل موتها؛ نعشا محمولا على الأكف، وعندما أخبره زملاؤه في السجن بالخبر؛ علم بأن رؤياه كانت صادقة.
السلطات منعته من حضور جنازة والدته التي رحلت في ٤ من شهر محرم هذا العام، على الرغم من تقديم عائلته طلبا بذلك. وبعد انتهاء مراسم التشييع، و”كسار” الفاتحة؛ أخبرتهم بأن الإذن قد وصل إلى إدارة السجن، ولكن بعد فوات الأوان.
وهكذا قضت الوالدة كمدا وحزنا على صغيرها المعتقل، فيما حُرم الولد من تقبيل جبين والدته قبل رحيلها الأبدي.
إنها البحرين في ظل حكم آل خليفة. فصولٌ من الظلم والإستبداد والإستهانة بشرف البحرانيين وكرامتهم.