هذا هو عبد الهادي الخواجة !!
مباشرةً، يمكنُ تقديم عبد الهادي الخوّاجة من خلال ندوة “الفقر” الشّهيرة (24 سبتمبر 2004م). في تلك النّدوة، قدّم الخوّاجة النّموذجَ الحقوقيّ الذي سيُمثّل مع الوقت المقدّمة الأبرز في تحوُّل وعي النّاس لحقوقهم. المسألة ليست أنْ يعرفَ النّاسُ حقوقهم، بل أن يذهبوا إليها. و”الذّهابُ” يعني ما هو أكثر من مقولة “انتزاع الحقّ”. الذّهابُ نحو الحقوق يعني أن تتحرّكَ الأقدام. أن تعلو الأصوات. أن ترتفع الأيدي. أن يموجَ الشّارعُ.
ذهبَ الخوّاجة إلى الخطوط الحمراء؛ وألغاها، واحدةً واحدة. أسقط الخوّاجة، في ندوة “الفقر”؛ الخطّ الأحمر الأول: خليفة بن سلمان. مدّ الصّوت والأيدي ناحيته، وقال: “هذا هو منْ يسرق قوت الفقراء”، وسقط المحظور، وارتفع الشّعار المدوّي: “تنحّ يا خليفة”، وأصبحَ مطلب إسقاط خليفة وحكومته – بفضل ذهابات الخوّاجة المتكرِّرة – من المفردات اليوميّة في الشّارع السياسي، وعند الجميع.
ذهب الخوّاجة إلى “الديوان الملكي” (4 يونيو 2005). المطلوبُ أن يسقط هذا المحظور أيضاً. فعلها الخوّاجة، برفقة الشّبان الذين سيتحوّلون فيما بعد إلى التلامذة الأوفياء للحقوقيّ الذي لا يعرف الخوف. ذهبَ الخواجة، هذه المرّة، إلى المكان الذي تُدار فيه “العصابة الحاكمة”، كما قال، وكان بهذا الذّهاب الجريء قد فعلَ الخطوة الأهم في إبطال مفعول “الذّات التي لا تُمس”. ربّما كانت الضّريبة هذه المرّة أقسى: أُعتدي على الخوّاجة بالضّرب، وكُسِرت أسنانه. إلا أنّ الخوّاجة قال بأنّ ما تمّ كان يستحق: تمّ إسقاط حُرمة الاقتراب إلى الدّيوان. أصبح الأخيرُ، رمزيّاً وفعليّاً، محلّ استهداف النّشطاء.
يُكرّر الخواجة نظريته أينما حلّ. يقول: الشبابُ لديهم طاقة كبيرة، والوسيلة الأجدى أن يُدرّبوا على وسائل اللاعنف. فعل ذلك عبر اللّجان الأهليّة: الشهداء وضحايا التعذيب، البطالة، السواحل، البدون، الفقر، الاعتقال التعسفي..
قدّم الخواجة خلاصة فكره الحقوقي (والسياسي) لحركة “حق”، وتيار “الوفاء الإسلامي”. حافظَ في الوقت نفسه على خطوط الاتصال والتواصل المتعدّدة. نزل الخوّاجة في “العاصمة”، وحرّكت السيدة خديجة الموسوي في “مسجد الخوّاجة” المياه الرّاكدة، وأصبحت المنامة مأوى لخيم الضحايا والنشطاء.
يمشي وحيدا من “شيخ عزيز” إلى جزيرة سترة، تضامناً مع موسى عبدعلي، وحسن عبد النبي. يُضرب عن الطعام في بيته. تضامنا مع المعتقلين والضحايا. يحمل الفأس ليُسقط جدار ساحل المالكية. يحمل أوراقه متنقّلا في قرى كرزكان، دمستان، المالكية، وهو يقول: “معركة السواحل تُشبه معركة الوجود”.
خطب في كلّ مكان. وفي كلّ إطلالة كان يُفجّر الشّعار: فلتسقط العصابة الحاكمة.
لم يمنعه ذلك من الاستماع إلى الآخرين. الصغار والشباب. نعم، هو “عنيد، ورأسه يابس”، كما عبّر أحد زملائه. ولكنه “سلس، وبسيطٌ حدّ الذّوبان”.
عبقريّة الخواجة تكمن في معالجته الميدانيّة لمفاهيم حقوق الإنسان، وقدرته اللافتة على إعداد الخطط العمليّة، وعدم انبهاره أو ارتعاشه من اللّحظة القائمة، مهما كانت هذه اللّحظة مُرعبة، أو مغرية أحياناً.
لأسبابٍ كثيرة، سيظلّ الخواجة شديد المراس، وسيظهرُ دوماً، ومن حيث يحتسب البعض أنّ التّعب قد نالَ منه. النصيحة المُتاحة مع كلّ ذهابات الخوّاجة؛ هي ألا ننتظر توضيحاتٍ عاجلة من الخوّاجة عن كلّ عملٍ أو انفجار يقومُ به. علينا، في أحيان كثيرة، أنْ نتابعه بهدوء مليء بالدّهشة، والقلق، وكثيرٍ من التّضامن والتعظيم.
—–
هوامش:
– تغطية شاملة لندوة “الفقرة”
http://bahrainonline.org/showthread.php?t=104257
– اعتصام أمام الديوان الملكي
http://bahrainonline.org/showthread.php?t=123762
– إضراب واعتصام الخواجة مع موسى عبد علي
http://bahrainonline.org/showthread.php?t=138042